ربّما يكون اللقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الأربع «حلّاً وسطاً» وبديلاً من لقاء الرئيسَين إردوغان والأسد
وإذا كان اللقاء مع الأسد هو المطلب الرئيس بالنسبة إلى إردوغان، فإن دون ذلك عقبة يمكن لأنقرة وحدها أن تتجاوزها، بالإعلان أنها ستنسحب فعلياً، ووفقاً لخطّة مكتوبة ومجدولة زمنياً، من سوريا، إضافة إلى التعهّد بضرب الإرهاب في إدلب ومناطق السيطرة التركية، وهو ما يمثّل مطالب سورية معقولة وواقعية. لكنّ السؤال هو: هل يمكن تركيا تقديم مِثل هذه التعهّدات في خضمّ حملة انتخابية رئاسية شرسة ستَجري بعد أربعين يوماً؟ قد لا يميل إردوغان إلى اتّخاذ مواقف يمكن المعارضة أن تستغلّها لإثبات أخطائه في السياسة الخارجية والضرر الذي ألحقته بالبلاد. كما قد يتجنّب إغضاب الولايات المتحدة التي أعلنت معارضتها مسار التطبيع مع سوريا، علماً أن الرئيس التركي دفَع أخيراً البرلمان، حيث له الغالبية الآن، إلى التصويت (276 صوتاً) لصالح قانون انضمام فنلندا إلى «حلف شمال الأطلسي»، لتُسارع واشنطن إلى الترحيب بذلك، واعتبار أن أنقرة وفت بوعدها.
بناءً عليه، يمكن التساؤل: لماذا قد يعطي إردوغان اليوم ما لم يُعطِه قبل عشرين يوماً، متسبّباً بفشل انعقاد اللقاء الرباعي في منتصف شباط الماضي؟ هنا، يرى البعض أن الرئيس التركي ربّما يحاول التقدّم بمقترحات غامضة، حتى يظلّ بإمكانه التنصّل منها لاحقاً، وهو ما لن يرضي البتّة الجانب السوري، الذي لا يخفى، في الوقت نفسه، وقوعه تحت ضغط الصديقَين الروسي والإيراني، اللذَين يفضّلان، كلّ لحساباته، بقاء إردوغان، إذ إن روسيا تتوجّس من سقوطه واحتمال عدم مضيّ المعارضة - في حال فوزها - في العلاقات مع روسيا بالزخم نفسه، فيما إيران لا تبدي مستوى الحماسة عينه لاستمرار الرئيس التركي في منصبه، ولكنها تأخذ في الاعتبار الرغبة الروسية، فضلاً عن أنها لا تزال تعتبر إردوغان «شريكاً» في بعض القضايا، ومنها العلاقة مع تنظيمات «الإخوان المسلمين» ولا سيما «حماس» والتنافس مع السعودية، على رغم أن تركيا الحالية، بدعمها ومشاركتها الفاعلة في الحرب الأذربيجانية – الأرمينية وما نتج منها من اتّفاقيات، ألحقت بالنفوذ الجيوستراتيجي لإيران ضرراً لا يمكن تعويضه أو مواجهته بسهولة.
ربّما يكون اللقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الأربع «حلّاً وسطاً» وبديلاً من لقاء الرئيسَين إردوغان والأسد، وهذا ما قد تَقبل به دمشق وترضى به موسكو وطهران، ولو على مضض. ولكن في ما لو أعقبه لقاء على مستوى وزراء الخارجية، ومن ثمّ الرؤساء قبل الانتخابات الرئاسية التركية، فستكون هذه «ضربة معلّم» تركية، مدعومة من روسيا وإيران، على أمل أن يلي ذلك انسحاب تركي شامل، وتصفية للجماعات الإرهابية، وعودة للسيادة السورية إلى كلّ ربوع سوريا، في انتظار طرد الاحتلال الأميركي في وقت لاحق.