يُقلق تزايد الشقوق في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، صانعي السياسات في كلا البلدَين من احتمال تعمُّقها إلى حدٍّ يصبح معه ترميم هذه الصدوع، صعباً. وفي حين يمثّل التعديل القضائي الذي تعتزم حكومة بنيامين نتنياهو تمريره، أحد أعراض «الأزمة» القائمة، إلّا أن خروج الانتقادات الأميركية لإسرائيل، مرّة بعد أخرى، إلى دائرة العلن، يُظهر أن «المشكلة» بدأت تأخذ مساراً أكثر تشعُّباً، خصوصاً إذا أضيفت إليها ملفّات أخرى داهمة من قبيل: التوسّع الاستيطاني في الضفة الغربية، والاتفاق النووي الإيراني الذي تعارض تل أبيب طرحه بأيّ صيغة تَمنح حكومة الجمهورية الإسلامية متنفّساً وتخفّف عنها ضغط العقوبات القاسية، وكذلك العلاقات الإسرائيلية المتنامية مع كلّ من الصين وروسيا، إذ تسعى تل أبيب إلى الإبقاء على صِلات مقبولة مع موسكو لأسباب تتعلّق بالهجرة اليهودية من روسيا إليها.وتُبرز الزيارة التي يقوم بها الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إلى الولايات المتحدة، اليوم، وهي الثانية له في غضون أقلّ من عام، الشقوق المتزايدة في العلاقة الفاترة أصلاً بين إدارة جو بايدن والحكومة المتطرّفة التي يقودها نتنياهو. فعلى رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على تشكيلها، في كانون الأول من العام الماضي، وحتى مساء أمس، لم يكن الرئيس الأميركي قد وجّه بعد دعوة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية لزيارة البيت الأبيض، وهو سلوك لم تَألفه الحليفتان في السابق، إذ عادةً ما يسارع الرؤساء الأميركيون إلى توجيه الدعوة إلى رؤساء وزراء إسرائيل لزيارة البيت الأبيض بعد تشكيل حكوماتهم (أعلن ديوان نتنياهو، مساء أمس، تلقّي الأخير هذه الدعوة بعد طول انتظار). وممّا جلّى عمق الخلافات، خروج الانتقادات الأميركية لإسرائيل إلى دائرة العلن مجدّداً، بعد وصْف بايدن حكومة نتنياهو الحالية، في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، الأسبوع الماضي، بأنها من «أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرّفاً»، وتصريح السفير الأميركي في تل أبيب، توماس نايدز، بأن بلاده تعمل على منْع إسرائيل من «الانزلاق عن المسار».
وفي هذا الإطار تحديداً، تشير تقارير إعلامية إسرائيلية وأخرى أميركية، إلى أن العامل الرئيس الذي شجّع بايدن على انتقاد حكومة نتنياهو علناً، هو موقف اللوبي الأميركي - اليهودي في واشنطن، والذي عبّرت قياداته عن رفْض ما تسمّيه «الانقلاب القضائي» الذي تسعى حكومة الاحتلال إلى تمريره، إذ يقول الرئيس التنفيذي لمنظّمة «جيه ستريت» الإسرائيلية في الولايات المتحدة، نداف تامير، إن «الرئيس بايدن يتمتّع بسجلّ حافل عمره أكثر من 50 عاماً من الدعم لدولة إسرائيل، فعندما يقول إن الحكومة الحالية هي من أكثر الحكومات التي شهدها تطرُّفاً، يجب أن نصغي إلى كلماته وإلى نبرة صوته». وتعليقاً على تصريحات الرئيس الأميركي، يقول النائب في «الكنيست» عن حزب «الليكود»، داني دانون: «أحترم الولايات المتحدة صديقنا الكبير في الخارج، لكن سياسة دولة إسرائيل لن تحدّدها إلّا الحكومة في إسرائيل التي تمّ انتخابها ديموقراطياً من قِبَل الشعب».
على أن التوتّر الحالي، لا يعني في حال من الأحوال أن هناك اتجاهاً لإعادة تقييم العلاقات الأميركية مع إسرائيل، وفق ما أكّدت وزارة الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي. مع هذا، يصرّ توماس فريدمان - وليست هذه المرّة الأولى -، القريب من إدارة بايدن، على أنه «لا بدّ من إعادة تقييم العلاقات مع تل أبيب»، على خلفية السلوك المتطرّف الذي تضطلع به حكومة نتنياهو، والذي يُضعف، بحسبه، «المصالح المشتركة بين الإدارة وإسرائيل، ويحيد عن القيم المشتركة بينهما». وأحد شواهد التوتّر في العلاقات، بحسب ما يشير إليه الكاتب الأميركي، هو أنه بعد ساعات قليلة من تصريحات بايدن إلى شبكة «سي إن إن»، قال وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، إن «إسرائيل لم تَعُد نجمة أخرى في علم الولايات المتحدة»، ليخلص إلى أن «العلاقات مع واشنطن في أزمة، وإسرائيل في حرب أهلية محتملة، وكل هذا فقط من أجل بقاء نتنياهو في السلطة». لهذا، يرى فريدمان أنه «عندما تتعارض مصالح وقيم حكومتَي إسرائيل وأميركا على هذا الشكل، فإنه لا بدّ من إعادة تقييم العلاقة بين البلدين»، مؤكداً، في الوقت ذاته، أنه لا يتحدّث عن إعادة تقييم للتعاون العسكري والاستخباري، ولكن للنهج الدبلوماسي.
ويتساءل، في هذا المجال، عن جدوى أن تستمرّ واشنطن في الدفاع أمام المؤسّسات الأمميّة عن فكرة أن إسرائيل تحتلّ الضفة الغربية مؤقّتاً، ولا تمارس شكلاً من أشكال الفصل العنصري، في حين أن الحكومة الإسرائيلية عازمة علناً على ضمّ الضفة، بل وتعطي اثنين من أعتى مناصري الضمّ، سموتريتش وبن غفير، صلاحيات أمنية ومالية واسعة. ومن هنا، فإن إعادة تقييم العلاقات «القائمة على مصالح وقيم الولايات المتحدة» هذه، هي ضرورة حقيقية قبل أن تتدهور الأمور بشكل كامل، بحسب فريدمان، الذي يعتقد أن استعداد بايدن لمواجهة نتنياهو بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت، قبل الانتخابات الأميركية المقبلة في عام 2024، يشير إلى أن الرئيس الأميركي يحظى بدعم الأميركيين لهذه الخطوة، وكذلك معظم اليهود الأميركيين وحتى معظم اليهود الإسرائيليين.
التوتّر الحالي، لا يعني في حال من الأحوال أن هناك اتجاهاً لإعادة تقييم العلاقات الأميركية مع إسرائيل


الحديث عن مأزق في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، لم يَعد منذ وقت ليس بقليل، مستغرَباً. فمن سمات اجتماع الحليفتَين أنه «لا توجد أُمّة مثلنا، باستثناء إسرائيل»، والمقصود بقول الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، هذا، أنهما تتشابهان إلى حدّ الالتحام. لكن ما ظُنَّ أنه «حبٌّ مطلق» لا يتبدّل بتبدُّل الظروف، لم يَعُد كذلك. ففكرة أن «إسرائيل بحاجة إلى مساعدة أميركية لتأمين وجودها، وأن البلدين يشتركان في مجموعة من المبادئ الديموقراطية لم تعُد منطقيّة»، على حدّ تعبير ستيفن كوك في مجلّة «فورين بوليسي». وفي سياق ما حُكي ويُحكى عن ضرورة إصلاح العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، يرى روبرت بلاكويل المسؤول الكبير السابق في إدارة بوش، وفيليب غوردن، الذي عمل في إدارة أوباما، أن العلاقات في خطر، بسبب جملة عوامل؛ من بينها التحوّلات المهمّة في السياسات في شأن قضايا الشرق الأوسط، وكذلك التغيُّر الديموغرافي، وتغيُّر السياسات داخل الولايات المتحدة وإسرائيل على السواء، ما أدّى إلى تباعد الدولتَين. ويدعو المسؤولان السابقان، في هذا الإطار، إلى بذْل «جهد مدروس ومتواصل يقوم به صانعو السياسات وقادة الرأي في البلدَين» لإصلاح العلاقات وتجنّب الانقسامات التي «لا ينبغي أن يريدها أحد يهتمّ بأمن إسرائيل أو يقيّم أميركا ومصالحها في الشرق الأوسط».