قُبيل إقالته، نشر القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوجني، مقال رأي على شبكة «سي أن أن» الأميركية، «نعى» فيه الإستراتيجيات القديمة التي اتّبعتها بلاده طوال الحرب، داعياً إلى اتباع أخرى جديدة، تأخذ في الحسبان مخزونات «شركاء» بلاده المستنفدة من الصواريخ وقذائف الدفاع الجوي الاعتراضية والذخائر المدفعية، «وضعف» نظام العقوبات الدولي. ويأتي ذلك في وقت لا تزال فيه روسيا قادرة، بعد كل هذه المدة، «بالشراكة مع عدد من الدول الأخرى، على الاعتماد على مجمع الصناعة العسكرية الخاص بها، للمضي قدماً في استنزاف أوكرانيا»، جنباً إلى جنب «إدراكها المتزايد» أنّ الحرب في غزة «شتّتت الانتباه الدولي عن أوكرانيا». ومثل تلك «الاعترافات» الأوكرانية بالعجز ليست بمستجدة، إنّما من المتوقع أن تزداد مع كل يوم إضافي من الحرب التي كانت، وعلى خلاف ما يتم الحديث عنه حول وصولها إلى «طريق مسدود» أو حالة من «الجمود»، تشهد، في الأسابيع الأخيرة، تقدماً روسياً ملحوظاً، يقابله «تخبط» أوكراني على المستويين العسكري والسياسي. وعليه، وبقرار من الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينكسي، أُقيل زالوجني من منصبه، وتم تعيين ألكسندر سيرسكي، القائد السابق للقوات البرية، مكانه، كما تم استبدال رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الأوكرانية، على أن تلي تلك الخطوات جملةٌ من التغييرات الأخرى على مستوى القوات المسلحة.وميدانياً، يبدو أنّ الضغط الذي تمارسه القوات الروسية على مدينة أفدييفكا، الواقعة شرق أوكرانيا، سيصعّب مهمة القائد العام الجديد، ولا سيما أنّ رئيس بلدية المدينة قال، الخميس، إن «أعداداً كبيرة من القوات الروسية تهاجم البلدة وتضغط من جميع الاتجاهات»، مشيراً إلى أنّ «الوضع يزداد صعوبة واحتداماً، بالنسبة إلى القوات الأوكرانية التي تدافع عنها». وفيما تقول كييف إنّ دفاعاتها الجوية «تتصدى»، حتى الآن، للهجمات الروسية، فإنّ العديد من المحللين العسكريين، وبعضهم من الأوكرانيين، يتخوّفون من أن تلقى «قلعة» أفدييفكا الشمالية، مصير باخموت نفسه، التي شهدت، طوال تسعة أشهر، معارك ضارية، خسرت أوكرانيا خلالها أفضل مقاتليها، في مواجهة القوات الروسية التي كانت تتدفق بأعداد هائلة.
سيصعّب الضغط الذي تمارسه القوات الروسية على مدينة أفدييفكا مهمة القائد العام الأوكراني الجديد


وفي السياق، يؤكد أحد المسؤولين العسكرييين الأوكرانيين الكبار، في حديث إلى صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، أن موسكو تتمتع حتى بأفضلية في أفدييفكا مقارنة بباخموت، ترجع إلى أنّ القوات الروسية هناك أكثر «احترافاً وتدريباً»، وتملك «أريحية أكبر»، نظراً إلى أنّ «الجنود يتقدمون إلى داخل المدينة، ضمن مجموعات صغيرة، بعد قصفها بالمدفعية». وطبقاً للصحيفة، فإنّ القوات الأوكرانية في المدينة التي يتواجد فيها حالياً 941 ساكناً، بعدما كان يقطنها، سابقاً، نحو 32 ألف شخص، «مرهقة، وعددها قليل، وبحاجة ماسة إلى الذخيرة». وبالحديث عن «العدد»، وإذ لا تزال الحكومة الأوكرانية تحاول أن تتبنى قانون تعبئة، من شأنه أن يعزز أعداد القوات، عبر خفض سن التجنيد، فقد أقرّ زالوجني أيضاً، في تقريره، بـ«الميزة الكبيرة التي يتمتع بها (العدو)، في ما يتعلق بتعبئة الموارد البشرية، مقارنةً بعدم قدرة مؤسسات الدولة في أوكرانيا على تحسين مستويات القوى البشرية، من دون اللجوء إلى تدابير (لا تحظى بشعبية)»، في إشارة إلى القرار الذي تبحث الحكومة في كييف تمريره.

«تقدّم» في ملف المساعدات؟
ومن جملة العوامل التي تتيح للقوات الروسية التقدم «متراً بعد متر»، الجمود السياسي في واشنطن، في ما يتعلق بإرسال المزيد إلى كييف. وأخيراً، حقق «مجلس الشيوخ» «قفزة كبيرة»، الأحد، في اتجاه تبني حزمة مساعدات بقيمة 95 مليار دولار، لدعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، بعدما كانت هذه الحزمة، التي تخصص لأوكرانيا «حصة الأسد» من المساعدات (نحو 60 مليار دولار مقابل 14 ملياراً لإسرائيل)، عالقة في الكونغرس لعدة أشهر؛ إذ نالت، خلال تصويت إجرائي الأحد، 67 صوتاً، ما يؤشر إلى أنّ «الشيوخ» الأميركي سيكون قادراً، على الأرجح، على المصادقة عليها في وقت لاحق، في حال تمكن الحزبان «الجمهوري» «والديموقراطي» من الحفاظ على وحدتهما. على أنّه من المبكر جداً، بالنسبة إلى كييف، التفاؤل بأنّ المساعدات الأميركية أصبحت في «متناول اليد»، ولا سيما أنّ رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، يتعرض لتهديدات بـ«الإطاحة به»، من قبل بعض النواب اليمينيين، في حال طرح ملف المساعدات على الطاولة مستقبلاً.