بكين | في أعقاب افتتاح «الدورة الثانية للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني» في قاعة الشعب الكبرى، في بكين أمس، بحضور نحو 3 آلاف نائب، ألقى رئيس الوزراء، لي تشيانغ، «تقرير أعمال الحكومة» السنوي، مستعرضاً، على ضوئه، أعمال الدولة الصينية لعام 2024، ومحدداً سياساتها وأهدافها للعام القادم، جنباً إلى جنب استعراض «التحديات والصعوبات» التي لا تزال تقف «عقبة» أمامها. واستهل لي خطابه بالحديث عن «الإنجازات الاقتصادية» للعام الفائت، بعدما تحدث مراقبون، في الأيام الماضية، عن أنّ الاقتصاد سيكون على رأس جدول أعمال الدورة، طوال الأسبوع الجاري. وفي السياق، أكد المسؤول الصيني أنّه رغم الظروف الدولية المعقّدة، واشتداد الصراعات الجيوسياسة حول العالم، فضلاً عن الصدمات التي خلفتها ثلاث سنوات من التعامل مع جائحة «كوفيد – 19»، وغيرها من الصعوبات، فقد انتعش الاقتصاد الصيني عام 2023، «وتحوّل نحو التحسن عموماً»، إذ فاق الناتج المحلي الإجمالي الـ126 ترليون يوان، بزيادة 5.2%؛ وهي نسبة أعلى من تلك التي توقعها المراقبون الغربيون، ومن التي أعلن عنها المسؤولون الصينيون في بداية 2023 حتى. كما تم، بحسب رئيس الوزراء، توفير فرص عمل جديدة لـ12.44 مليون شخص، ما جعل متوسط معدل البطالة، بناءً على المسح الذي يجري في المدن والبلدات، يبلغ 5.2%. أيضاً، شهد 2023 في الصين تخفيضاً إضافياً في الرسوم والضرائب، قُدّر بـ 2.2 ترليون يوان، بفضل ما يُعرف بـ«الضريبة التفضيلية». وعلى صعيد مكافحة الفقر والنهوض بالأرياف، وطبقاً للأرقام التي استعرضها لي، فإنّ سياسة «تضييق» الفجوة في دخل السكان بين الحضر والريف استمرت على قدم وساق، فيما تم إحراز تقدم إضافي في مجال القضاء على الفقر. إذ ارتفع دخل سكان الأرياف في المناطق المتخلصة من الفقر بنسبة 8.4%، وازدادت المبالغ المالية المنفقة على دعم التعليم الإلزامي والتأمين الأساسي على الشيخوخة والخدمات الطبية الأساسية وغيرها. وفي ما يتعلق بالصناعات، اتُخذت، كذلك، بحسب لي، جملة من الخطوات لـ«تعزيز القوة العملية والتكنولوجية الاستراتيجية للدولة»، ودعم قطاع التصنيع والبحث والتطوير في القطاعات الرئيسة، ما جعل أرباح المؤسسات الصناعية ترتفع، بعدما كانت قد شهدت انخفاضاً في وقت سابق. وانسحب هذا التقدم على مجال الاقتصاد الرقمي، حيث تجاوزت، مثلاً، نسبة مستخدمي «الجيل الخامس» في البلاد، الـ50 في المئة. أيضاً، سُجلت جولة جديدة ممّا سماه رئيس الوزراء «إصلاح الدوائر الحكومية»، في حين استمرت الدولة الصينية، وفق لي، في شنّ «معركتها الحاسمة» لمكافحة التلوث ومسبباته، بما يشمل خفض انبعاثات المواد الملوثة الرئيسة باطراد، ومشاريع بناء أحزمة الغابات الواقية. وللمرّة الأولى في التاريخ، كما قال المسؤول الصيني، فاقت سعات المولدات المركبة في المحطات الكهربائية العاملة بالطاقة المتجددة نظيرتها في المحطات الحرارية، علماً أنّ النسبة السنوية لزيادة هذه المولدات في البلاد تساوت «مع نصف حجم الزيادة العالمي».
دعا رئيس الوزراء الصيني إلى «تقوية» الجيش والاستعداد «لخوض نضال عسكري»


«الأهداف» القادمة
وفي ما يتعلق بالأهداف الرئيسة للعام الجاري، قال لي إنّ صناع السياسة في بكين يتوقعون نمو الناتج المحلي أيضاً بنحو 5%، وتوفير فرص عمل لما يزيد عن 12 مليون شخص، والإبقاء على نسبة البطالة عند نحو 5.5%، إضافة إلى تحسين تطوير الصناعات الناشئة والاقتصاد الرقمي، وتعزيز بناء منظومة التعليم «عالية الجودة»، ودفع الإصلاحات في المجالات المالية والمصرفية والضريبية والبيئية، وغيرها. وفي إطار سياسة «الانفتاح» على الخارج، أعلن رئيس الوزراء الصيني أنّه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة «لجذب الاستثمارات الأجنبية»، مخصصاً مساحة من خطابه للدعوة إلى «تقوية» الجيش «على نحو معمّق»، وتشديد التدريبات العسكرية، ورفع الجاهزية القتالية بصورة شاملة، والاستعداد لـ«خوض النضال العسكري». كما أكد التمسّك بتطبيق مبادئ «دولة واحدة ونظامان» وإدارة هونغ كونغ وماكاو «من قبل أهلها» فقط، وبتطبيق «منهاج الحزب الشيوعي الصيني» لتسوية مسألة تايوان، مع معارضة أي شكل من أشكال الممارسات «الانفصالية» الرامية إلى استقلال الجزيرة.

التحديات القائمة
ويقرّ المسؤولون في بكين، ومن بينهم لي، بأنّ الأعوام المنصرمة حملت تحديات جعلت الاقتصاد الصيني يتطوّر «بشكل متعرج»، وصعّبت على «الجمهورية الشعبية» مهمة تحقيق أهدافها. ومن جملة هذه العوامل، الصدمات التي تسببت بها ثلاث سنوات من مواجهة جائحة «كوفيد – 19»، جنباً إلى جنب الانخفاض في الطلب الخارجي والنقص في الطلب المحلي، والأزمات «الظاهرة والكامنة» التي برزت في مجال العقارات وديون الحكومات المحلية، إضافة إلى الكوارث الطبيعية. وفي هذا الإطار، تحدث لي عن «ضعف» في القدرة على الابتكار العلمي والتكنولوجي، ومشكلات «مستعصية» غير قليلة تواجه عملية الإصلاح في عدد من المجالات المهمة، إضافة إلى ما قال إنها «ظواهر الشكلية والبيروقراطية»، وكوادر «تنقصها روح تحمل المسؤولية والعمل الفعلي»، ومظاهر «الفساد» في بعض المجالات، وغيرها، متعهداً، في المقابل، بـ«العمل على مواجهة هذه التحديات بجهد، كي لا نخيب آمال الشعب وتطلعاته». وسبق اجتماعَ يوم أمس، لقاءٌ، الإثنين، لـ«المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني»، الذي يعدّ أعلى هيئة «استشارية» في البلاد، ويعقد لقاءه عادة قبل انعقاد «مجلس النواب»، كي يطرح على الأخير الآراء التي عبرت عنها «مكونات المجتمع» على اختلافها، علماً أنّه يتم جمع الأخيرة مباشرة أو عبر استمارات إلكترونية قبل انعقاد «الدورتين».