منذ الإعلان عن انضمام السويد، رسميّاً، إلى «حلف شمال الأطلسي»، الخميس الماضي، دأبت القوى الغربية على تصوير الأمر وكأنه «انتصار» سياسي على روسيا، وذلك في ظلّ تعذُّر الانتصارات العسكرية الأوكرانية، مع دخول الحرب عامها الثالث. وهكذا، وبعد حديث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن أن عضوية السويد في «الناتو» هي مثال واضح على أن أوكرانيا تحوّلت إلى «كارثة إستراتيجية» بالنسبة إلى روسيا، واعتباره أن «أفعال (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وعدوانه، عجّلا في حصول ما كان يسعى إلى منع حصوله»، استغلّ الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، مراسم رفع علم السويد أمام مقرّ «الأطلسي» في بروكسل، أمس، لتمرير رسالة مشابهة إلى موسكو. وممّا قاله ستولتنبرغ: «عندما شنّ الرئيس بوتين غزوه الشامل قبل عامين، أراد أن يضعف الناتو، ويزيد من سيطرته على جيرانه»، كما «أراد أيضاً تدمير أوكرانيا كدولة ذات سيادة، لكنّه فشل»، متابعاً: «(الناتو) الآن أكبر وأقوى. أوكرانيا أقرب إلى الحلف من أيّ وقت مضى. وبينما يواصل الأوكرانيون الشجعان النضال من أجل حريتهم، فإنّنا سنقف إلى جانبهم».من جهته، قال رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، خلال مراسم الاحتفال، إن «الغزو الروسي الوحشي الشامل لأوكرانيا وحَّد السويد وراء فكرة أن العضوية الكاملة في الناتو، هي الخيار المعقول الوحيد». واقترنت هذه التصريحات «المتفائلة»، في الآونة الأخيرة، بجملة من «التحرّكات العسكرية» التي يجريها الحلف، في محاولته أيضاً لإثبات «وحدة» دوله في مواجهة روسيا. فعلى سبيل المثال، تزامنت مراسم رفع علم السويد مع إجراء نحو 20 ألف جندي، من 13 دولة في «الناتو»، تدريبات تستضيفها فنلندا والنرويج والسويد، تحت مسمّى «استجابة الشمال 2024»، تندرج بدورها في إطار تدريبات أوسع، عُرفت باسم «المدافِع الصامد 2024»، يشارك فيها نحو 90 ألف فرد من 32 دولة أطلسية، من بينها السويد، في مناورة هي الأكبر للحلف منذ الحرب الباردة.
بيد أنه خلف الكواليس، يبدو المسؤولون الغربيون أكثر قلقاً من أيّ وقت مضى، على مصير حليفتهم كييف. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، نهاية الشهر الماضي، عن أحد المشاركين في «مؤتمر ميونخ للأمن»، قوله إن «مزاج» النخب الدبلوماسية والأمنية الغربية كان «قاتماً» في المؤتمر، في وقت تُعدّ فيه مثل تلك المناسبات فرصة لـ«التعبير عن الوحدة والعزيمة» في مواجهة التحدّيات. ويذكّر التقرير بأنّ أعضاء الحزب الجمهوري في واشنطن، وبناءً على أوامر من الرئيس السابق، دونالد ترامب، يعرقلون تسليم المزيد من الأسلحة لأوكرانيا، التي تعاني من «مجاعة» في ما يتعلّق بالذخيرة، مشيراً أيضاً إلى أنه بعد السيطرة على باخموت وأفدييفكا، أصبحت القوات الروسية تضغط في اتجاه مارينكا وروبوتين وكريمينا، في وقت يعجز فيه الدعم الأوروبي عن سدّ «الفجوة» التي تركتها الولايات المتحدة في الإمدادات العسكرية.
واشنطن بقيادة بايدن، طبقاً لمراقبين، ستظلّ تبذل قصارى جهدها لـ«تجنب أيّ صراع مع روسيا»


في المقابل، لا يزال بوتين، «الذي يحتفظ بقدْر كبير من السلطة، على الرغم من الجهود المبذولة لإجبار نظامه على الخضوع»، «يشنّ حملة ترهيب على الغرب». ويشكّك التقرير، مرّة جديدة، في الإستراتيجية التي اتّبعتها، منذ اللحظة الأولى، القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إزاء الحرب الأوكرانية، متسائلاً عن السبب الذي يجعل تلك القوى، التي تمتلك طائرات وبصمة اقتصادية مشتركة بقيمة 60 تريليون يورو - أي ما يفوق روسيا والصين وإيران مجتمعة -، «تتنازل عن زمام المبادرة لروسيا»، وتنحني لها، في حالة دفاعية، في انتظار «الإهانة التالية» من بوتين. وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال، يؤكد مسؤولون أمنيون ودبلوماسيون وخبراء من جانبَي الأطلسي، في حديث إلى «بوليتيكو»، أن ذلك يرجع جزئياً إلى أن «مخاوف الرئيس الأميركي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتس، الكبيرة، من اندلاع حرب نووية، هي التي حكمت استجابتهما منذ اللحظة الأولى»، ومن خلفهما «استجابة العالم». وبغضّ النظر عن الأسباب التي أوصلت أوكرانيا إلى هذه النقطة، فإن الثابت هو أنه على الرغم من «الاستعراض» الذي تقوم به القوى الغربية، منذ بعض الوقت، سواء من خلال التلويح بانضمام المزيد من الدول إلى «الأطلسي»، أو توسيع المناورات العسكرية بين أعضائه، فإن واشنطن بقيادة بايدن، طبقاً لمراقبين، ستظلّ تبذل قصارى جهدها لـ«تجنب أيّ صراع مع روسيا»، في وقت تتواصل فيه «المعاناة الأوكرانية»، التي من غير المتوقّع أن يغيّر انضمام أيّ دولة إلى «الناتو»، من وطأتها.