بكين | في أعقاب اختتام البرلمان الصيني، الذي يُعرف باسم «المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني»، اجتماعه السنوي (الدورتين)، بداية هذا الأسبوع، سارعت وسائل الإعلام الغربية إلى نشر تحليلات حول طبيعة «القرارات» التي صدرت عن الاجتماع المشار إليه، محاولةً الإيحاء بأنّ البعض منها يهدف إلى «حصر» السلطة في يد «الحزب الشيوعي الصيني»، على حساب «مؤسسات الدولة». كما نشر بعض المحللين تقارير تشكك في الوضع الاقتصادي للصين، متوقعين مستقبلاً «قاتماً» له. على سبيل المثال، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً بعنوان: «(الدورتان) في الصين لا تكشفان عن طريق واضح نحو التعافي»، فيما شككت شبكة «بي بي سي» البريطانية، في تقرير لها، بأن تكون الصين فعلاً بيئة آمنة للاستثمارات الأجنبية. على أن القانون الذي عُرف باسم «قانون العضوية المنقح لمجلس الدولة»، وتمّ تمريره في الجلسة الأخيرة، نال «حصة الأسد» من «التحليلات» والانتقادات الغربية. وفي السياق، ذكرت بعض التقارير الغربية أنّ مثل هذا القانون يمنح «الحزب الشيوعي» مزيداً من السيطرة على مجلس الدولة ومجلس الوزراء، في خطوة «تمثل نهاية حقبة فصل السلطات بين الحزب والدولة»، وتعيد «إحياء سياسة مؤسس (الجمهورية الشعبية) ماو تسي تونغ»، التي تنص على ضرورة «قيادة الحزب الشاملة» لجميع شؤون الدولة ومكوناتها، على حد تعبيرهم. وحتى قبل الجلسة الختامية لـ«المجلس الوطني»، كانت وسائل الإعلام الغربية قد صبّت تركيزها على إلغاء كلمة رئيس الوزراء، لي تشيانغ، التي شكلت تقليداً سنوياً لعقود، محاولةً الترويج لكون هذه الخطوة تهدف إلى «إخضاع» رئاسة الوزراء. وحتى بعدما لم يلقِ الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بدوره، كلمةً ختاميةً في المجلس، خلافاً للعادة أيضاً، نشرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية تقريراً جاء فيه أنّه رغم أنّ «الرئيس الصيني لم يتحدّث خلال (الدورتين)، إلّا أنّه من الواضح من هو الشخص الذي يمسك زمام الأمور». كما نقلت الصحيفة البريطانية عن بعض المراقبين قولهم إنّ «شي يريد تعزيز سيطرة الحزب والأمن القومي على حساب كل شيء آخر في البلاد».
نفى السفير لي تشنغ ون، في حديث إلى «الأخبار»، كل المعلومات التي تتداولها وسائط الإعلام الغربية

ورداً على ما يتم تداوله أخيراً، نفى سفير «شؤون مؤتمر التعاون الصيني – العربي» في وزارة الخارجية الصينية، والسفير السابق لدى السعودية والسودان، لي تشنغ ون، في حديث إلى «الأخبار»، كل المعلومات التي تتداولها وسائط الإعلام الغربية، واضعاً إياها في خانة «الشائعات والأكاذيب الخبيثة». كما أكد لي أنّ «الحزب الشيوعي الصيني» والشعب الصيني «متّحدان ويتطوران بقلب واحد»، وأنّ مثل هذه الشائعات لن تقف عائقاً أمام تقدم الصين. وينسحب موقف لي على عدد من المحلّلين الصينيّين، الذين أكدوا أنّ أي قرار يصدر عن مثل هذه الجلسات يأتي بإجماع جميع المشرعين، وأنّ الأحاديث عن انقسامات بين مكونات السلطة الصينية تندرج في إطار محاولات تقويض صعود الصين وتنميتها. كما عمدت وسائل الإعلام الصينية، بدورها، إلى الرد على «الهجمة الغربية»؛ إذ أوردت مثلاً صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، هذا الأسبوع، تقريراً جاء فيه أنّ «الإعلام الغربي يحاول بث السلبية والأخبار المبالغ فيها، ولا سيما في ما يتعلّق بالاقتصاد الصيني»، بهدف «تقويض ثقة العالم في تنمية الصين»، وتخويف الشركات الخاصة والأجنبية من «البقاء فيها». وتابعت الصحيفة أنّ مقترحات «الدورتين» أعطت «صورة مختلفة كلياً عن ذلك»، وهي ستقترن أيضاً بـ«إجراءات وإنجازات ملموسة في عام 2024». ونقلت عن لي هايدونغ، الأستاذ في جامعة «الشؤون الخارجية الصينية»، قوله إنّه «في حال تابع المرء أخبار الصين عبر وسائل الإعلام الغربية فقط، فمن المرجح أن يعتقد أنّ مستقبل الصين مليء بالشكوك والتحديات»، لافتاً إلى أنّه في المقابل، تكشف تغطية وسائل الإعلام غير الغربية أنّ أداء الصين «جيد جداً»، وأنّ الأخيرة تتفوّق على الولايات المتحدة في مجالات كثيرة حول العالم.
وبصورة أعم، فإنّ المراقبين الصينيّين يعتبرون أنّ القصص التي رواها مراسلو دول الجنوب عن الصين، خلال الأيام الماضية، كانت مختلفة تماماً عن تلك التي ينشرها الغرب، باعتبار أنّ الأخير «ينظر إلى الصين من منظور المنافسة الإستراتيجية، ولا يمكن أن يكون موضوعياً أبداً»، بينما دول الجنوب تبحث في المقابل عن مزيد من «التواصل والتعاون» مع بكين. وعليه، يؤكد الخبراء الصينيون أنّه من الضروري «كسر شرنقة المعلومات التي فرضتها بعض القوى المهيمنة»، وإفساح المزيد من المجال لـ«الأصوات والتحليلات ووجهات النظر القادمة من الجنوب العالمي»، مشيرين إلى أنّ حدث «الدورتين» شكل مثالاً ناجحاً عن ذلك.