استثمر الإعلام الإسرائيلي في مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أول من أمس، ظهر فيه شخص مثير للجدل في قطاع غزة، وهو يوزّع حلوى «ابتهاجاً» بوفاة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان. أثار هذا المقطع حالة من الفوضى على المواقع، وبالتأكيد في بيئات المقاومة التي تدفع الدماء منذ سبعة أشهر، نصرة للشعب الفلسطيني في القطاع. لست في هذا المقال في صدد أن أعكس صورة مغايرة لواقع الحال في غزة، ولا أن أدّعي، مثلاً، أن أهالي القطاع المنكوبين يعيشون حداداً على الحدث الأليم. لكنّ الواقع في غزة مغاير تماماً لكل تلك الانتهازية، حيث يعيش الأهالي همومهم الكبيرة، من مثل البحث عن مأوى، ودفن الأحباب، وتوفير الطعام، وبالكاد يحظون بفرصة لمتابعة أخبار العالم. وأن يأتي شخص نكرة، بكل هذا المستوى من الانتهازية والطائفية والحقد، ليقول إن أهالي غزة، يعيشون نشوة بمأساة الشعب الإيراني، هو أعلى مستويات التجنّي والظلم. والأكثر ظلماً لأهل القطاع، أن تقع حواضن المقاومة والأهل في إيران، فريسة لهذا الاشتباه، وأن يعمّموا تلك الحالة الطائفية المَقيتة على أنها حالة الأهل في غزة. لم يجمع أهالي القطاع منذ 70 عاماً على رأي سياسي واحد. تعرّض هذا المجموع البشري ولا يزال، لأعلى مستويات الاستقطاب الفكري والسياسي. كيانات كبرى ودول ومؤسسات إعلامية، تضخّ ملايين الدولارات لإظهار الصديق بمظهر العدو، والعدو بمظهر الصديق. تلك القوة الناعمة شوّهت على نحو ملموس اتجاهات الأهالي ووعيهم بشكل نسبي، ليس تجاه محور المقاومة فقط، ولكن أيضاً تجاه المقاومين من أبناء جلدتهم. لكنهم يجمعون في العرف الاجتماعي والقيمي، على أن الشماتة بالموت نقيصة وضيعة، وأن الابتهاج بمصائب الآخرين، أردأ مستويات السفور الأخلاقي. هذه حقيقة.
من وزّع الحلوى في غزة شماتةً معروف بعدائه للمقاومة الفلسطينية ودائماً ما يطرب له الإعلام العبري


حين وصل خبر سقوط طيارة الرئيس الإيراني، كنت أجلس مع جمع من الأهالي، ونشاهد عبر التلفاز مباشرة المستجدّات لحظة بلحظة. في ذات اللحظة، وصل إلى الحاج "أبو العبد" خبر هدم منزله المكوّن من ستة طوابق، والذي يؤوي عائلات يفوق تعدادها الـ50 فرداً. ولمّا وصل خبر غير دقيق عن تمكّن الطواقم المتخصّصة في إيران من الوصول إلى الرئيس، ونقله إلى مستشفى في إحدى الولايات، ابتهج الحاج وقال بالحرف: «والله الدار كلها ما بتسوى أظفر آية الله إبراهيم رئيسي»، وطلب من الأبناء الذين كانوا يتهيّبون إبلاغه خبر ضياع شقاء سني عمره، أن يحضروا الحلوى على سلامة الرئيس الإيراني.
ليس من حقي أن أعمّم حالة "أبو العبد" على الأهالي جميعهم. كما ليس من حق أحد أن يدّعي أن من وزّع الحلوى يمثّل المجموع السكاني في غزة كلها. لكن إن كان ثمة تأريخ لدور المذكور الطائفي المشبوه في القطاع، فيجب أن نذكر، أنه معادٍ ليس لمحور المقاومة وإيران فقط، إنما للمقاومة في القطاع. وكانت له محاولات سابقة يطرب لها الإعلام العبري. وهو ذاته من مزّق يوماً صور قائد فيلق القدس الراحل، قاسم سليماني، وهو من نسمع صوته في كل عام في مهاجمة الاحتفال بيوم القدس العالمي. هو نفسه من يرى في الرئيس محمود عباس ولي الأمر الذي يجب أن يُطاع، وفي محمد بن سلمان أمير المؤمنين وحجتهم. أيعقل أن يؤخذ رأيه المشبوه والانتهازي على أنه رأي أهالي القطاع جميعهم؟ قليل من الإنصاف والمنطق، قليل من الرشد... آجركم الله.