لفت كثيرون إلى بُعدٍ دولي للأزمة التي تعاني منها البرازيل راهناً، حيث تتعرض السلطة العمالية لحملة شرسة يشنها تحالف نواته «حلف نيوليبرالي، تقوده الأوساط المالية (المحلية) ورأس المال العالمي، وتتكون صفوفه من أبناء الشريحة العليا من الطبقة الوسطى»، وفق أستاذ الاقتصاد السياسي في "جامعة لندن"، ألفريدو فيلهو.
ويتناول البعض الأزمة في البرازيل من باب اهتزاز الحكم في إحدى دول الـ«بريكس»، الذي يضم إضافة إلى البرازيل، روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ويتحدث موقع «بلومبرغ»، مثلاً، في 18 من الشهر الجاري، عن «سقوط قادة من الجنة السياسية، بينما تتعثر اقتصادات» البرازيل وجنوب أفريقيا، ذاهباً إلى حد الحديث عن «كذبة» التنمية التي حققتها هاتان الدولتان في السنين الأخيرة.
خسر الاقتصاد البرازيلي نحو مليون وظيفة العام الماضي

وينقل الموقع عن الحاكم السابق للبنك المركزي الأرجنتيني، ماريو بليجير، الذي بات يعمل نائباً لرئيس مجلس إدارة مصرف خاص، قوله إن الدولتين المذكورتين «أظهرتا أنهما تحرزان الكثير من التقدم، وفجأة رأينا أن ذلك كان في الحقيقة مجرد كذبة». ويشدد تقرير في موقع «بلومبرغ» على أن «صعود (الدولتين) لطالما كان، في جانب منه، وهماً»، وأنه كان مجرد جزء من مشروع استثماري روّجت له مجموعة «غولدمان ساكس» عام 2001، حين «طوّبت» دول «بريكس» كمحركات للنمو العالمي.
من الطبيعي أن يندرج إسقاط حكم عمالي، تجرّأ على فرض ضوابط على حركة رؤوس الأموال، وتحالف مع محور صاعد مناوئ للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، في معركة أوسع، على المستوى العالمي. لكن ذلك لا يحجب، بأي حال من الأحوال، الأزمة الاقتصادية ــ السياسية الحقيقية التي تعانيها البرازيل، والتي لن تفلح، على الأرجح، رزمة التحفيز الاقتصادي التي ستضخها الحكومة في النصف الثاني من العام الجاري، بقيمة 4 مليارات دولار، بتخطيها، وفق صحيفة «فوليا دي ساوباولو».
والشهر الماضي، خفض البنك المركزي البرازيلي مرة أخرى توقعات النمو. وفي السياق نفسه، ينقل موقع «ذي بريكس بوست»، تقديرات بأن الاقتصاد البرازيلي قد خسر نحو مليون وظيفة العام الماضي فقط، وأن نسبة البطالة ارتفعت إلى 9% في الربع الثالث من العام نفسه، مقارنة بـ8.6% في الربع الثاني.
للأزمة الاقتصادية تلك أسسها الموضوعية، فهي تأتي في سياق «الإضراب الذي يعمّ معظم الدول المتوسطة الدخل». لكن هذا العامل الموضوعي يفاقمه «إضراب عن الاستثمار، يهدف إلى إسقاط الرئيسة (ديلما روسيف)»، فيما تشنّ أوساط قضائية وأمنية منحازة سياسياً حملة تستهدف حصراً العماليين المتورطين في قضايا فساد، دون غيرهم من رموز المعارضة اليمينية. وتستغل ذلك، إلى أقصى الحدود، حملة إعلامية شرسة، وفق فيلهو، الذي يتحدّث عن «أعمق أزمة سياسية منذ استعادة الديموقراطية، عام 1985، تتشابك مع أقسى تراجع اقتصادي خلال جيل»، وذلك في مقال نشرته «ذي بريكس بوست» نهاية كانون الأول الماضي.
لا يعفي فيلهو الحكم العمالي من المسؤولية عن الأزمة المتعددة الأوجه، ويقول إن الفساد هو «جزء من ماكينة الدولة، وهو يربط السياسة بالأعمال، ويرسّخ البنى الاجتماعية التي تنتج عدم المساواة». ويرى أنّ «من غير المفاجئ، في التسعينيات، أن حزب العمال اختار أن يربح الانتخابات، بدلاً من خسارتها بشرف، فكان عليه أن يموّل حملاته عبر توزيع المغانم، كما تفعل سائر الأحزاب»!
لكن أستاذ الاقتصاد السياسي يأخذ على حزب العمال، منذ انتخاب رئيسه، لولا دا سيلفا، رئيساً للبلاد عام 2002، تقاعسه عن محاولة إصلاح النظام السياسي والبنية الاقتصادية للبلاد، أو حتى «تحدي الهيمنة الأيديولوجية النيوليبرالية». ويؤكد فيلهو أن العماليين «حافظوا على إطار السياسة الاقتصادية الكلية النيوليبرالية التي فرضتها الإدارة السابقة»، فيما دخلوا في تحالفات سياسية فرضت عليهم نوعاً من «الإصلاح الخفيف الذي أقصى القاعدة الحزبية، وحفّز المعارضة على تصعيد هجماتها».