صربيا. لا يحدث الاسم وقعاً بالنسبة إلى المتابع العادي. لكن المتابع الجدّي، يعرف جيداً، أن في البلد الذي كان جزءاً من يوغوسلافيا طفرةً في المواهب. التشكيلة الحالية للمنتخب «الشرس» تضعه من بين أفضل المنتخبات التي تشعّبت بعد انحلال الإمبراطورية اليوغوسلافية. وإذا كان المنتخب الكرواتي على رأس هذه المنتخبات، فلا بدّ من إعطاء المنتخب الصربي حقّه، من الناحية الفنية تحديداً. بلغراد ليست بعيدة عن زغرب. لدى المدرّب ملادن كريستاييتش مهمّة ليست بالصعبة على الورق في بلوغ الدور الثاني في روسيا. فما عدا منتخب «السامبا»، لا يوجد من يقف أمام المنتخب الصربي في المجموعة (سويسرا وكوستاريكا). أكثر من ذلك، صربيا قد تكون «الحصان الأسود».تأهل المنتخب الصربي تحت قيادة مدربه السابق سلافوليوب موسلين إلى نهائيات مونديال روسيا بعد فوزه بهدف دون رد على حساب جورجيا، ليتصدر المجموعة الرابعة «المتواضعة» في تصفيات القارة العجوز، مقارنةً مع باقي المجموعات (فرنسا، هولندا، السويد/ إسبانيا وإيطاليا)، متفوقاً على إيرلندا التي احتلت المركز الثاني، ومنتخب غاريث بايل (ويلز) في المركز الثالث. وتمكن رفاق قائد المنتخب الصربي ونجم روما ألكساندر كولاروف من تحقيق 6 انتصارات في 10 مباريات، بينما كان التعادل في 3 مناسبات وخسروا في لقاء وحيد من منتخب النمسا. تعتبر مشاركة صربيا في مونديال روسيا هي الثالثة في تاريخه، حيث شارك المنتخب الصربي في نهائيات كأس العالم في مناسبتين سابقتين متتاليتين، الأولى في مونديال ألمانيا 2006 ثم في كأس العالم الجنوب أفريقي عام 2010. على الرّغم من تحقيق أوّل تأهل للمنتخب الصربي للمشاركة في مسابقة كبرى منذ آخر مشاركة له في مونديال جنوب أفريقيا 2010، إلا أن هذا الإنجاز لم يمنع مدرّب المنتخب سلافوليوب موسلين من أن يقدّم استقالته من تدريب المنتخب لأسباب مجهولة. في بيان للاتحاد الصربي على موقعه الرسمي، أعلن أن «موسلين رحل بعد فسخ عقده بـ«اتفاق ودي» مع الاتحاد الصربي لكرة القدم». الأسباب بقيت مجهولة رغم البيان. هكذا، تم استبداله بالمدافع الدولي الصربي السابق ملادن كرستاييتش الذي يفتقر الى الخبرة، مقارنةً بالمدرب السابق. يعتمد المنتخب الصربي في طريقة لعبه على خطة 3 ــ 4 ــ 3، الكرات العرضية إحدى مميّزات طرق اللعب التي يستخدمها المدرب في خططه، فكل من كولاروف وبرانيسلاف إيفانوفيتش يتمحور دورهما حول إرسال العرضيات إلى رأس الحربة الذي عادة ما يكون موجوداً بين قلبي دفاع فريق الخصم (ألكساندر ميتروفيتش).
ساهم تاديتش في إحراز 15 هدفاً للمنتخب الصربي خلال التصفيات


كما ذكرنا سابقاً، تصدّر المنتخب الصربي مجموعته في التصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم في روسيا. وعلى الرغم من تدنّي مستوى المنتخبات التي كانت إلى جانب صربيا في المجموعة (إيرلندا، النمسا، جورجيا ومولدوفا)، إلا أن هذا لا يعكس عدم جاهزيّة المنتخب الصربي، فعدم مواجهته للفرق الصّعبة لا يعني بأن إمكاناته قادرة فقط على منافسة الفرق المتوسطة. بل على العكس تماماً، يملك المنتخب الصربي «توليفة» مميّزة من اللاعبين، ما بين خبرة وشباب. وعند حديثنا عن الشباب، لا يخطر في بالنا سوى صاحب الـ 23 عاماً، سيرغي ميلينكوفيتش سافيتش، نجم نادي لازيو الإيطالي ونجم الصحف الإنكليزية في الآونة الأخيرة. يصفونه في إيطاليا بـ«بول بوغبا الأبيض»، نظراً الى قامته العالية وفنّياته التي اعتاد الجمهور الإيطالي مشاهدتها من قبل «الديك الفرنسي»، نجم مانشستر يونايتد الحالي بول بوغبا عندما كان أحد أبرز اللاعبين في يوفنتوس والدوري الإيطالي. يتميّز سافيتش بارتقائه العالي، وبضرباته الرأسية التي لا تخيب، أضف إلى ذلك قدرته على التسديد من مسافات بعيدة. يصفه المتابعون بأنه «اللاعب الشامل» الذي يتمنّاه أي فريق. وبالفعل، يسعى اليوم نادي مانشستر يونايتد إلى التعاقد مع الصربي الشاب، إذ إنه مستعد لتقديم مبلغ 80 مليون جنيه استرليني للحصول على خدمات سافيتش. سجّل ميلينكوفيتش 11 هدفاً في الدوري الإيطالي في الموسم الحالي مع لازيو، بالإضافة إلى صناعته ثلاثة أخرى، 11 هدفاً رقم يصعب على بعض المهاجمين أن يسجّله في دوري كالإيطالي، فكيف إذا كان صاحب الرقم لاعب وسط يتمتع بواجبات دفاعية. إلى جانب نجم لازيو، يوجد لاعب آخر لا يقل قيمة عن الأوّل. نيمانيا ماتيتش نجم مانشستر يونايتد الإنكليزي. «الجوهرة» التي فرّطت بها إدارة تشلسي. يختلف ماتيتش عن ميلينكوفيتش بأنه متخصص في المهمات الدفاعية. لا يتفلسف. ارتكاز دفاعي وإحدى أبرز وأهم الصفقات التي قام بها اليونايتد في الميركاتو الشتوي. آدم لياييتش، نجم تورينو الإيطالي، لاعب مهاري وموهوب يعتمد على مهاراته الفردية، أناني في لعبه، لا يمرر الكرات أكثر ممّا يحتفظ بها، إلا أن مثل هذه النوعية من اللاعبين لا بد من وجودها في كل منتخب، تضيف حلولاً عندما يتعثر الأداء، بالإضافة إلى فكرة تأثير العامل الفردي والجناح العصري في كرة القدم الحديثة، فمن النادر أن تجد منتخباً يفتقر إلى مثل نوعية لياييتش ونيمار ومبابي وغيرهم من اللاعبين المهاريين. في أي منتخب، أياً كان اسمه، يحتاج إلى لاعب وظيفته الأولى والوحيدة هي صناعة اللعب، فكما كوتينيو في البرازيل، غريزمان في فرنسا، إيسكو في إسبانيا وغيرهم من الأسماء في منتخبات أخرى، في صربيا يوجد دوشان تاديتش. صانع الألعاب الصربي الذي يلعب حالياً مع نادي ساوثهامبتون الإنكليزي، صاحب الرقم 10، أحد أهم العناصر في التشكيلة، حيث ساهم دوشان في إحراز 15 هدفاً للمنتخب الصربي خلال التصفيات (سجّل 6 أهداف/ وصنع 9). هو بمثابة «الكي بلاير» أو مفتاح اللعب في تشكيلة المدرب ملادن كريستاييتش. ولكي تكتمل القصّة، لا بد من وجود هدّاف، اسم ينهي الكرات في الشباك، ومن غيره مهاجم نادي نيوكاسل الإنكليزي سابقاً وفولهام الحالي، سجّل ألكساندر ميتروفيتش 7 أهداف في التصفيات ليكون هو الهدّاف الأول في المنتخب الصربي خلال المشوار المؤدي إلى المونديال الروسي.
أماّ بالنسبة الى دفاع المنتخب الصربي، فقد استقبل المنتخب خلال 10 مباريات خاضها في التصفيات المؤهلة إلى المونديال 9 أهداف. أي بمعدّل هدف في كل مباراة تقريباً، نسبياً يعتبر الرقم منخفضاً مقارنة بمنتخبات أخرى تستقبل عدداً أكبر من الأهداف. يعود الفضل في ذلك إلى خط الدفاع الصربي المكوّن من قائد المنتخب ألكساندر كولاروف لاعب روما، سوبوتيتش لاعب سانت إيتيان الفرنسي، ناستازيتش لاعب مانشستر سيتي السابق ونجم شالكه الحالي، بالإضافة إلى دوشان باستا لاعب لازيو. رباعي الدفاع المنتظم والمحترف في عديد الفرق الأوروبية المميزة من الطبيعي أن يقدّم أداءً جيداً في حماية المرمى الذي يحرسه ديميتروفيتش لاعب إيبار الإسباني.
ما يمكن توقّعه في المونديال المقبل بالنسبة إلى ماهية الصورة التي سيظهر بها المنتخب الصربي، هو أنه سوف يجتاز دور المجموعات، إلا في حال حدوث مفاجأة وتقديم كل من المنتخب السويسري العنيد ومنتخب كوستاريكا الطامح إلى معجزة ممكن أن تحدث، حينها سيكون المونديال الروسي مشابهاً لآخر نسختين شارك فيهما المنتخب الصربي، حيث خرج من الدور الأول (2006 و2010). هذا على الورق، أما سقف التوقعات الصربي، فهو قابل الارتفاع، صربيا يمكنها أن تذهب بعيداً.



النجم الأحمر بلغراد: رحلة طويلة


كثير من الأندية كان لها مكانة تاريخية في عالم كرة القدم. تعيش فترة ذهبية وحقبة لا تنسى بالنسبة إليها، إلا أنها تفقد مع مرور السنين البريق الذي أضاءت به البلاد التي تنحدر منها. تحلم هذه الأندية دائماً بالعودة من جديد إلى منصّات التتويج وتحقيق الأمجاد مرة أخرى. ومن هذه الفرق المجهولة اليوم، فريق النجم الأحمر بلغراد. فريق النجم الأحمر هو فريق العاصمة الصربية الأول، بـ 25 لقباً في الدوري المحلي، و24 كأسا وطنية، في صربيا حديثاً ويوغسلافيا سابقاً. أضف إلى ذلك نجاحاته الأوروبية، فهو الفريق «اليوغوسلافي» والصربي الوحيد الذي فاز بدوري أبطال أوروبا في 1991 ضد مارسيليا، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تعيش فترة صعبة. وهو الفريق الوحيد في شرق أوروبا، الذي فاز بكأس الأنتركونتننتال عام 1991 أيضاً. كذلك وصل الفريق إلى ربع النهائي في دوري الأبطال خمس مرات (1958، 1974، 1981، 1982، 1987). وفي عام 1979 حصد الفريق الصربي ثمرات جهده بوصوله إلى نهائي الدوري الأوروبي، لكنه خسر أمام بروسيا مونشنغلادباخ الألماني. أبرز اللاعبين الذين مرّوا على الفريق التاريخي لصربيا هم كل من: راجكو ميتيتش، دراغوسلاف سيكولاراك، دراغان دزاغيتش، فلاديمير بيتروفيتش، دراغان ستويكوفيتش، ديان سافيزافيتش، روبرت بروسينيكير وغيرهم من اللاعبين الذين تركوا بصماتهم في النجم الأحمر.


شغف الصرب حدّ العنف

نسمع دائماً عن حالات الشغب التي تحدث في العديد من ملاعب كرة القدم ومختلف الدوريات الأوروبية، ولكن الحذر اليوم من أن تظهر هذه المشاحنات والأعمال غير القانونية من قبل مشجعين في بطولة كأس العالم المقبلة في روسيا. من بين المنتخبات التي اشتهر مشجعوها بنشر أعمال الشغب على المدرجات، هم الصرب. صربيا بلد فقير، وقد عانت الكثير قبل أن تنفصل عن يوغوسلافيا. في مقال تحليلي نشرته صحيفة «الغارديان»، خلصت الصحيفة الإنكليزية إلى وجود نوع من الترسبات «العنيفة» ورثتها الأجيال الحالية الصربية عن أجدادهم اليوغوسلافيين. وعرض التقرير ثلاثة مواقف خرج فيها العنف الصربي على المدرجات عن حده:

إيطاليا ضد صربيا في تصفيات يورو 2012
45 دقيقة كانت المدّة التي تأخّر فيها حكم المباراة ما بين إيطاليا وصربيا في جنوى عن إطلاق صافرة البداية، وذلك بسبب أعمال الشغب التي قامت بها جماهير صربية ملثّمة، من تكسير حاجز زجاجي للأمان عبر استعمالهم قضباناً حديدية، إضافة إلى دخول الجماهير الى الملعب. ثم بدأت الجماهير الصربية بإلقاء المفرقعات النارية و«الشماريخ» على أرضية الملعب وغيرها مما تيسر لها. حينها غرّم الاتحاد الأوروبي المنتخب الصربي 107 آلاف جنيه استرليني. لم يسلم الاتحاد الإيطالي هو الآخر وقتها من الغرامة، حيث غرّم 90 ألف جنيه هو أيضاً بسبب عدم القدرة على ضبط المباراة.

صربيا في مواجهة إنكلترا (تحت 21 سنة)
خلال المباراة، بدأ الجمهور الصربي يردد العبارات العنصرية «قرد! قرد! قرد!» كلما لمس اللاعب الإنكليزي من أصول أفريقية أونيوها الكرة. وبعدما أصبحت النتيجة 2 ــ 0 لمصلحة ناشئي منتخب «الأسود الثلاثة»، بدأت العدوانية والحدية تظهران على تصرفات الجمهور الصربي. الحصيلة كانت غرامة مالية من قبل الاتحاد الاوروبي لصربيا قدرها 16 ألف يورو بسبب أعمال الشغب والهتافات العنصرية.

صربيا ضد ويلز (تحت 21 سنة)
تعرض كل من داني غابيدون وناثان بلايك وروبرت إيرنشوو إلى الهتافات العنصرية نفسها من قبل الجماهير الصربية والمونتينيغرية (الجبل الأسود) خلال يورو تحت 21 سنة الذي كان قد أقيم في ويلز. تلقى هؤلاء اللاعبون الويلزيون المصير نفسه الذي تلقاه أنيوها مع إنكلترا. كانت الغرامة هذه المرّة رمزية من قبل الاتحاد الصربي لكرة القدم، اتحاد جبل الأسود، حيث لم تتجاوز الغرامة 11 ألف يورو.


أبرز اللاعبين
سافيتش كاتالوني المولد


أحد أبرز اللاعبين الصرب الشباب، والذي سيكون من بين الأعمدة الأساسية في خط وسط المنتخب الصربي في المونديال. منذ 2015 وهو لاعب في صفوف لازيو الإيطالي، ولد سافيتش في منطقة «ليدا» ضمن مقاطعة كاتالونيا. والده نيكولا ميلينكوفيتش كان لاعباً لكرة القدم، بينما في الجهة المقابلة والدته ميلانا اختارت كرة السلة. سيرغي اليوم مطلوب من كبار الأندية الأوروبية؛ من بينها كل من: ريال مدريد الإسباني ومانشستر يونايتد الإنكليزي.

زيفكوفيتش في بنفيكا


من بين الأسماء التي كتبت تاريخها الخاص بها مع المنتخب الصربي: زيفكوفيتش. هو أصغر لاعب صربي على الإطلاق، شارك مع المنتخب (17 سنة)، هذا بعدما حظي بثقة مدرب المنتخب وقتها سينيسيا ميهايلوفيتش. كان لأندريا دور فعّال في حصول منتخب بلاده صربيا على بطولة كأس العالم تحت 20 سنة. ينشط الآن مع فريق بنفيكا البرتغالي ويلعب في مركز الجناح الأيمن والأيسر.

ميتروفيتش القناص


مهاجم الفريق، وهدّاف التصفيات بالنسبة الى المنتخب الصربي (7 أهداف). كانت له تجربة مع فريق نيوكاسل الإنكليزي قادماً من أندرلخت البلجيكي. اليوم، يلعب ميتروفيتش مع فريق فولهام من الدرجة الأولى الإنكليزية (تشامبياتشيب)، حيث لعب 17 مباراة سجّل فيها ألكساندر 12 هدفاً وصنع هدفاً واحداً. مع منتخب بلاده، يعتبر ميتروفيتش عاملاً مؤثراً جداً في تسجيل الأهداف، والتفاهم واضح بينه وبين صانع ألعاب المنتخب تاديتش.