بعد 12 عاماً على الغياب، تعود بولندا إلى نهائيات كأس العالم. الموعد في روسيا، الجارة «اللدودة» للبولنديين. لكن النسور البيضاء ستحلّق في سماء موسكو. السماء التي تعرفها جيّداً. ليس من المبالغة القول إن النسر البولندي سيتحوّل إلى حصان أسود، يهدد المنتخبات المشاركة ويذهب بعيداً في الحلم المونديالي. تمتلك بولندا جميع العناصر المطلوبة لتخطّي مجموعتها «الصعبة» التي تضم: السنغال، كولومبيا واليابان، وإحراج من تواجهه في دوري خروج المغلوب. في كرة القدم، لا ينقص الجيل البولندي الحالي أي شيء لمباغتة الجميع. وفي التاريخ وفي الثقافة، لدى البولنديين ما يقولونه أيضاً.لا يمتلك المنتخب البولندي سجلاً كبيراً في بطولة العالم. يشارك منتخب النسور البيضاء للمرّة الثامنة في المونديال، والأولى منذ نسخة ألمانيا في عام 2006. أفضل مشاركات بولندا كانت في نسختَي 1974 في ألمانيا الغربيّة، و1982 في إسبانيا، حيث احتل منتخبها المركز الثالث، ووصل إلى دور الـ 16 في بطولة عام 1986 في المكسيك. عانت بولندا الأمرّين على مستوى كرة القدم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وجدت نفسها من دون لاعبين، حتى إنّ الأندية البولنديّة والمنتخب البولندي لم تكن قادرة على الحفاظ على اللاعبين، نتيجة غياب البنية التحتيّة. حتى إنّ رعاة الأندية في تلك الفترة ابتعدوا عن اللعبة نتيجة الظروف الاقتصاديّة الصعبة، وبالتالي فإن عدداً كبيراً من اللاعبين والمدربين تركوا بولندا وخرجوا إلى دول أوروبا الوسطى والغربيّة. ولعلّ من أبرز الأسماء التي تركت بولندا وذهبت إلى ألمانيا هما نجما «المانشافت» ميروسلاف كلوزه (الهداف التاريخي لكأس العالم)، ولوكاس بودولسكي. وفي فترة التسعينيّات، عانت بولندا أيضاً من غياب المواهب، نتيجة غياب الأكاديميّات الرياضيّة، ففشل نادٍ مثل ليغيا وارسو، في تخريج لاعبين على مستوى عالمي طوال فترة 10 أعوام.
تمتلك بولندا مجموعة متماسكة من اللاعبين

الأزمات المتتالية اقتصاديّاً واجتماعيّاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، استمرّت في الألفيّة الجديدة، وعانت كرة القدم في بولندا من الفساد الإداري والمالي والتلاعب بالنتائج، وهو ما أدّى إلى القيام بحملة توقيفات واسعة بين عامَي 2007 و2009، وكان أبرز الموقوفين: فيت زيلازكو عضو اتحاد الكرة بتهمة الفساد. بعدها تمّ إيقاف كل أعضاء اتحاد الكرة البولندية، ما حمل الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» على التدخل بشكل مباشر. وفي أيلول/ سبتمبر 2008، طالبت اللجنة الأولمبيّة الدوليّة بإيقاف اتّحاد كرة القدم البولندي للمرّة الثانيّة. حملة التوقيفات تكرّرت أيضاً في نيسان/ أبريل 2009، وتمّ حجز 200 شخص، بينهم حكّام ومراقبو مباريات ومدرّبون ولاعبون، كانوا جميعهم متهمين بالتلاعب بالنتائج. نهضة الكرة البولندية بدأت مع بطولة أوروبا «يورو 2012» للمنتخبات التي استضافتها بولندا، بالشراكة مع أوكرانيا. وبفضل هذه الاستضافة، تمكنت بولندا من إنشاء مجموعة من الملاعب ومراكز التدريب، وهو ما ساعدها بشكل كبير على النهوض مجدداً، على مستوى الدوري وأكاديميّات الأندية.
سيستغل ليفاندوفسكي تركيز المدافعين عليه لمساعدة زملائه على تسجيل الأهداف


ورغم عدم تحقيقه إنجازات كبيرة في كأس العالم، يبقى المنتخب البولندي رقماً صعباً، ومنافساً جديّاً أمام أي خصم يمكن أن يواجهه، وخاصّة أن منتخب النسور البيضاء احتل صدارة المجموعة الخامسة في التصفيات الأوروبيّة المؤهلة إلى المونديال برصيد 25 نقطة، وبفارق 5 نقاط عن منتخب الدنمارك، الذي حل وصيفاً للمجموعة. وفازت بولندا في 8 مباريات خلال التصفيات، وخسرت مرّة واحدة أمام الدنمارك خارج الديار بنتيجة (0-4)، وتعادلت في مباراة أخرى أمام كازاخستان بنتيجة (2-2).
المدرب الألماني يورغن كلوب (مدرب نادي ليفربول حاليّاً وبوروسيا دورتموند سابقاً) تحدّث عن المنتخب البولندي على اعتبار أنّه يعرف عدداً من لاعبيه، وخاصّة المهاجم ليفاندوفنسكي عندما كان لاعباً معه في دورتموند. قال كلوب: إن لاعبي بولندا عليهم دوماً الشعور بالثقة، و«ما إن يحصلوا عليها حتى يحققوا المستحيل، الثقة تعتبر أبرز سماتهم». من جهته، أكّد الحارس البولندي السابق، وحارس نادي ليفربول يارزي دوديك أنّ «الثقة بالنسبة إلى اللاعب البولندي هي التي تصنع الفارق، وهذا الأمر ساعد المنتخب في بطولة أوروبا الأخيرة». كما تحدّث دوديك عن انسجام اللاعبين البولنديين مع يورغن كلوب في بوروسيا دورتموند وهم: روبرت ليفاندوفسكي، ياغوب بواشتيشكوفسكي ولوكاش بيشتشيك، وهو الأمر الذي ساعد في تطوّر مستواهم، ووصلوا مع مدربهم إلى النهائيات الأوروبيّة «يوروبا ليغ وتشامبيونز ليغ».
تمتلك بولندا مجموعة متماسكة من اللاعبين، كما أن كلمة السر المتمثّلة بالثقة موجودة بدورها، وبالتالي فإن الآمال المعقودة من قبل الجماهير البولنديّة على منتخب بلادها في مونديال روسيا، ستكون بمحلّها، وسيسعى المنتخب إلى الذهاب بعيداً واستعادة أمجاد 1974 و1982. سيلعب المدرب البولندي، غالباً، بالطريقة الكلاسيكيّة (4 ـ 4 ـ 2)، مستفيداً من البنية الجسديّة القويّة للاعبيه، وخاصة مع وجود لاعبين في العمق الدفاعي، ومحورين في وسط الملعب. كما أنّه في خط الهجوم تعتمد فلسفة المدرب على الأجنحة، مع وجود مهاجم وهمي خلف ليفاندوفسكي، قد يكون نجم نابولي زيلينسكي. وفي اليورو الماضي، اعتمد نفالكا على (4 ـ 4 ـ 2) و(4 ـ 2 ـ 3 ـ 1)، إلّا أنه في المباريات التحضيريّة لكأس العالم، حاول اعتماد خطط جديدة منها (3 ـ 4 ـ 3)، إلّا أنّ من المتوقع أن لا يغامر في كأس العالم، ويعتمد على أسلوب كلاسيكي في الدفاع والهجوم. التحفظ قد يجلب النتائج الجيدة.

كتيبة محاربين
تخوض بولندا مباراتها الأولى في النهائيات ضد السنغال في 19 حزيران/ يونيو، قبل أن تلاقي كولومبيا في 24 منه، واليابان في 28. ويمتلك المنتخب البولندي لاعبين مميّزين في مركزي الدفاع والهجوم. أبرز الأسماء هو مهاجم بايرن ميونيخ الألماني روبرت ليفاندوفسكي، الذي يعتبر المحرك والرقم واحد في كتيبة المدرب آدم ناوالكا. وأنهى ليفاندوفسكي تصفيات كأس العام 2018 في المركز الأوّل بترتيب الهدافين برصيد 16 هدفاً، متقدماً على نجم البرتغال وريال مدريد الإسباني كريستيانو رونالدو صاحب الـ 15 هدفاً. وفشلت بولندا في التسجيل، في مناسبتين وديّتين أمام الأوروغواي والمكسيك في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عندما كان ليفاندوفسكي في فترة راحة. وإضافة إلى «ليفا»، تضم قائمة بولندا مجموعة مميزة من اللاعبين، أبرزهم مهاجم نابولي الإيطالي آركاديوس ميليك العائد من الإصابة، وياكوب بلاشتشيكوفسكي لاعب وسط نادي فولفسبورغ الألماني، ولوكاس بيتشيك مدافع بوروسيا دورتموند الألماني، وكاميل جليك مدافع موناكو الفرنسي. وعلى مستوى حراسة المرمى، يمتلك المنتخب البولندي حارسين مميزين، هما لوكاس فابيانسكي حارس مرمى سوانزي سيتي الإنكليزي، وفويتشيك تشيزني حارس مرمى يوفنتوس الإيطالي. وفي حديث له، أكد قائد المنتخب البولندي لكرة القدم روبرت ليفاندوفسكي الجمعة أنه سيستغل تركيز المدافعين عنه في منافسات مونديال 2018 في روسيا، لمساعدة زملائه في المنتخب على تسجيل الأهداف. وفيما تشارك بولندا في المجموعة الثامنة «المتوازنة»، مع السنغال وكولومبيا واليابان، ضمن منافسات المونديال الروسي المقام بين 14 حزيران/ يونيو و15 تموز/ يوليو، قال مهاجم بايرن ميونيخ الألماني في مقابلة مع موقع إلكتروني بولندي الجمعة «أعرف أنني أحياناً سأضطر إلى القيام بعمل العتالة لمصلحة الفريق». وأضاف اللاعب البالغ 29 عاماً والذي سجّل 16 هدفاً في 10 مباريات من التصفيات الأوروبية المؤهلة الى كأس العالم: «المنافسون سيركزون عليّ وعلى كيفية إيقافي، إلا أن ما سأحاول القيام به عندما يراقبني لاعب أو لاعبان، هو محاولة خلق فرص لزملائي للتسجيل». وتابع «سنحاول استغلال الأمر بهذه الطريقة. هذا ما كانت عليه الحال في فرنسا»، في إشارة الى كأس أوروبا 2016 التي أقصيت فيها بولندا من الدور ربع النهائي بركلات الترجيح أمام البرتغال التي أحرزت اللقب. وشدد الهداف على أهمية «أن نكون مستعدين لاستغلال المساحات التي ستظهر عندما يقوم المنتخب المنافس بالتركيز بشكل أكبر عليّ (...) كقائد للمنتخب، عليّ التفكير دائماً بالفريق. مصلحة الفريق هي الأمر الأهم».



بلاد الكثلكة
بولندا (بالبولندية: Polska) تقع في شرق أوروبا. وقد شهدت أكبر حصة من التدمير النازي، وتغيّرت تركيبتها الديموغرافية بعد الهولوكوست. يحدها من الشمال بحر البلطيق، ومن الشمال الشرقي إقليم كالينينغراد الروسي وليتوانيا، ومن الشرق روسيا البيضاء وأوكرانيا، ومن الجنوب سلوفاكيا وتشيكيا، ومن الغرب ألمانيا. ما يُميّز بولندا عن محيطها هو أن نحو 90% من سكّانها هم من الكاثوليك، بينما معظم دول أوروبا الشرقية تتبع الكنيسة الأرثوذكسيّة. وقد أدت شخصيات بولندية دوراً أساسيّاً في تعميق دعوات الانفصال عن روسيا، أو ما كان يُعرف بالاتحاد السوفياتي سابقاً. واليوم، تخوض بولندا مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول دورها داخل الاتحاد، لسببين رئيسين. الأول، هو تنامي النزعات القومية وصعود الشعبوية في بولندا، والثاني يتمثل برفض دول أوروبا الغربية وخاصة فرنسا وألمانيا إعطاء فرصة لوارسو ليكون لها كلمة مسموعة داخل الاتحاد، وهذا ما ظهر بشكل واضح في ملف المهاجرين. ويؤثر الواقع الاقتصادي الصعب داخل بولندا على موقعها داخل الاتحاد، كما على نفوذها مقارنة بدول الوسط والغرب الأوروبي.