كما ظلّه، يلاحق ملف الحرب على اليمن محمد بن سلمان أينما حلّ في جولاته الخارجية الكثيرة هذه الأيام. لكن دفتر شيكاته المفتوح لرشوة الدول لم يجعل الأصوات البريطانية «المزعِجة» والمناهضة للعلاقات مع الرياض تتغلب على لهاث لندن خلف مضاعفة الصفقات التسليحية مع السعودية. الحال نفسها في واشنطن، حيث فريق الإدارة الأميركية لن يسمح بغلبة الأصوات المعارِضة في الكونغرس على الشراكة الأميركية في الحرب، المُؤمِّنة لميارات الدولارات من عوائد الخدمات اللوجستية والتسليحية.

إلا أن الأصوات المعترضة على انخراط واشنطن في الحرب، بلغت في الآونة الأخيرة حدّاً لا يمكن تجاهله، مُنذِرة بصراع صلاحيات بين المؤسسات الأميركية، على وقع ضغوط إعلامية وحقوقية واسعة، من شأنها أن تضاعِف الضغوط على الرئيس دونالد ترامب، وتضعه أمام تحدي تصويت الكونغرس على مشروع قانون يفرض خروج الولايات المتحدة من حرب اليمن، تمّت مناقشته أمس.
في الأحوال جميعها، لا مؤشرات إلى ذهاب الرئيس الأميركي أبعد من فصل مسار الملف الإنساني عن باقي المسارات اليمنية، والدفع بتخفيف وطأة الحرب على اليمنيين، مع الاحتفاظ بصيغة تحافظ على «فوائد» الحرب وعوائدها المالية. وبين الأميركيين من يطلب من ترامب أكثر من ذلك، على اعتبار أن أي إجراء قد تفرضه واشنطن لن يحل الأزمة، في حين أن الحل العسكري ليس بمقدوره إحداث تغييرات دراماتيكية، فضلاً عن أن إيقاف الحرب في حد ذاته حاجة لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج.
هذا ما قالته صحيفة «واشنطن بوست»، التي دعت ترامب إلى عدم تجاهل ضرورة الضغط على ابن سلمان لإيقاف الحرب، وفرض الحل السياسي على الحليف الخليجي. ففي حين توشك حرب اليمن على دخول عامها الرابع، لا تحقيق للأهداف التي بدأت من أجلها، بل تؤكد الأوساط الغربية، ومنها خبراء عسكريون في واشنطن، استعصاء الخيار العسكري على السعودية، وأن خصمها (أنصار الله) يشتد عوده وتقوى شوكته ويترسخ وجوده ويتوسع ليشمل الشرائح الاجتماعية والقبلية كافة. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الحركة تقاتل في بعض الأماكن الرخوة والمفتوحة كجبهة الساحل الغربي، رغم تفوق سلاح الطيران لانكشاف الجبهة وخطوط إمدادها. وعلى الرغم من ذلك، لا تعتبر الخروقات التي حصلت ذات قيمة عسكرية أو سياسية. ولو حصل وتوسع الخرق، فإن حرب العصابات في الجبال والممرات الضيقة هي في انتظار القوات الغازية، وسيزيد من قدرة «أنصار الله» على المناورة، الأمر الذي سيوقع السعودية وحلفاءها في حرب استنزاف طويلة الأمد، تضعف فيها إمكانية قبول الحلول الوسط لدى الطرفين.
يذهب «معهد واشنطن» أبعد من ذلك في ورقة لمدير برنامج «الخليج وسياسة الطاقة» في المعهد سايمون هندرسون، خلص فيها إلى أن «الضغط عليه (على ابن سلمان) لإنهاء الحرب سيكون من أولويات جدول الأعمال الأميركي»، كون واشنطن ترى أن هذه الحرب «لا يمكن الانتصار فيها». وكرر هندرسون في كتاباته عشية الزيارة قراءته بالقول: «ثبت أنه من المتعذر تحقيق النصر في الحملة التي تقودها السعودية»، مشيراً إلى أن الأميركيين أعادوا أخيراً إحياء القناة العمانية للوساطة لإيجاد خيار دبلوماسي. على عكس ما يتوقعه هندرسون، يبدو أن اللقاءات التي يجريها ابن سلمان مع ترامب والمسؤولين الأميركيين لن تخلص إلى أكثر من فصل عمل المسار الإنساني عن المسارين العسكري والسياسي، لتمكين واشنطن من التملص من حملة الضغوط التي تواجهها.
وكان وزير الدفاع، جميس ماتيس، قد حذر، منتصف الأسبوع الماضي، من مساعي بعض أعضاء الكونغرس لطرح مشروع قرار ينهي المشاركة الأميركية في الحرب على اليمن، معتبراً أن ذلك سيجعل «الحوثيين» أكثر جرأة. واعترف بأن بلاده تدعم الحرب بالجهود الاستخباراتية وإعادة تزويد الطائرات السعودية والإماراتية بالوقود جواً، متذرعاً بأن تلك المشاركة تهدف إلى التوصل لحل في نهاية المطاف عن طريق المفاوضات بواسطة الأمم المتحدة. وجاء كلام ماتيس رداً على محاولة عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إجراء تصويت بشأن تخويل الجيش الأميركي القيام بدور عسكري في اليمن، بموجب قانون صلاحيات الحرب الذي يسمح لأي عضو في مجلس الشيوخ التقدم بمشروع قانون بشأن سحب القوات الأميركية من الصراعات التي لم يقرّ الكونغرس المشاركة فيها.
تقتضي المرحلة، حسب مطلعين، أن تُقنع واشنطن حليفتها الرياض، بالموافقة على إجراء المفاوضات مع «أنصار الله»، والتي في حال بدأت قد تستغرق وقتاً طويلاً، تقدم فيها واشنطن نفسها بأنها داعم للعملية السياسية، مع العلم المسبق بأن المفاوضات لن تفضي إلى نتيجة إيجابية، لعدم جهوزية الرياض للحلول الوسط، وإصرارها على تحقيق أهدافها كاملة.