بعد مفاوضات شاقة امتدت قرابة أسبوع، تمكّنت الدول الأعضاء في مجلس الأمن من التوصّل إلى «صيغة توافقية» حول مشروع قرار في شأن اليمن. صيغة هي نتاج تنازل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا عن بعض نقاط مقترحَيهما المتنافسَين، لتسفر المفاوضات عن «قرار وسط» يدعم المسار الذي أطلقته مشاورات السويد، ويدعو إلى تعزيز العمل الإنساني. وفيما ينتظر وصول رئيس «لجنة تنسيق إعادة الانتشار» المعنية بتنفيذ اتفاق الحديدة إلى صنعاء خلال الساعات المقبلة، تتواصل الهدنة في المحافظة الساحلية لليوم الخامس على التوالي، في ظلّ استمرار الحديث عن خروقات.وصوّت أعضاء مجلس الأمن الـ15، بالإجماع، مساء أمس، على مشروع قرار، أعدّته بريطانيا، يفوّض الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، نشر فريق من المراقبين الأمميين في اليمن في غضون شهر، بهدف الإشراف على تنفيذ اتفاق الحديدة الذي توصّل إليه الطرفان في محادثات استوكهولم. ووفقاً للناطق باسم غوتيريش، استيفان دوجاريك، فإن هؤلاء المراقبين، الذين «سيأتون من بعثات أممية منتشرة في بلدان أخرى من العالم»، ستتركز مهمّتهم في مدينة الحديدة ومينائها، كما أنهم «سيرتدون زياً مدنياً عليه شارة الأمم المتحدة، وليس زياً عسكرياً». ويُلزم القرار، الذي يحمل الرقم 2451، الأمين العام للمنظمة الدولية بتقديم إحاطة أسبوعية حول مجريات تطبيق الاتفاق، كما ويطالبه بتزويد المجلس بمقترحات (قبيل الـ31 من الجاري) في شأن آلية عمل الفريق الأممي. ويؤيد القرار ما خلصت إليه مشاورات السويد التي اختُتمت في الـ13 من الشهر الجاري، ويشدد على ضرورة الالتزام بالجدول الزمني لتنفيذ مخرجاتها، ويطالب طرفَيها بمواصلة العمل على حلّ «القضايا المعلّقة». وإذ يدعو إلى تسهيل «تدفق الإمدادات التجارية والإنسانية بما فيها الوقود، وضمان الأداء الفعال والمستدام لجميع الموانئ»، فهو يحضّ على التعاون مع المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، من أجل تحسين الوضع الاقتصادي، وحلّ مشكلة البنك المركزي، من دون تحميل طرف بعينه المسؤولية عن ذلك.
في ضوء البنود المتقدمة، يمكن القول إن القرار الجديد، وعلى رغم أنه أعاد التذكير بالقرارات الدولية والبيانات الرئاسية السابقة بما فيها القرار 2216، إلا أنه يمثّل عملياً قطعاً مع هذا الأخير، الذي جاء متناغماً بالمطلق مع سردية تحالف العدوان، وطالب «الحوثيين بالانسحاب من جميع المناطق التي استولوا عليها من دون قيد أو شرط». وهو ما أكده عضو وفد صنعاء التفاوضي، عبد الملك العجري، الذي وصف القرار 2451 بأنه «متقدم مقارنة بالمواقف السابقة»، معتبراً إياه «تجاوزاً ضمنياً لمضمون القرار 2216»، مضيفاً أنه «سيسهم في تثبيت وقف إطلاق النار في الحديدة». وفي الاتجاه نفسه، عدّ رئيس وفد صنعاء، الناطق باسم «أنصار الله» محمد عبد السلام، القرار الأخير «خطوة إيجابية ومهمة نحو وقف العدوان وفك الحصار تمهيداً للحلّ السياسي الشامل»، على رغم «استنكارنا للموقف الأميركي الرافض إدراج التحقيق في الانتهاكات المروّعة التي حدثت في حق اليمنيين» في نص القرار.
أسفت واشنطن لعدم إدانة طهران في نصّ القرار الجديد


وكانت الولايات المتحدة أصرّت، خلال المفاوضات، على حذف فقرة تضمّنتها الصيغة الأولية للمشروع البريطاني، تدعو إلى «إجراء تحقيقات شفافة ووثيقة الصلة بانتهاكات القانون الإنساني»، الأمر الذي تحقّق لها. لكن في المقابل، لم تتمّ الاستجابة لطلب واشنطن إدانة إيران بـ«انتهاك حظر الأسلحة المفروض على اليمن». رفض لم يَفُت نائبَ المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، رودني هانتر، التعليقُ عليه خلال جلسة أمس، حيث قال إن «واشنطن تأسف لعدم إدانة القرار للدور الذي تقوم به إيران في دعم جماعة الحوثيين وتزويدهم بالسلاح»، مستدركاً بـ«(أننا) صوّتنا لمصلحة هذا القرار، وأمامنا عمل كبير يجب القيام به في الأيام والشهور المقبلة». وأعربت مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة، كارين بيرس، من جهتها، عن تقديرها لاعتماد القرار بالإجماع، آملة في «التزام جميع الأطراف المعنية بأحكامه».
وعلى رغم أن الولايات المتحدة استطاعت إحداث تعديلات في المشروع البريطاني، بعدما طرحت مشروعاً منافساً له في مشهد وصفه ديبلوماسي كبير في الأمم المتحدة بـ«غير المعتاد»، إلا أن القرار جاء في نهاية المطاف «متوازناً» وفق ما وصفته «أنصار الله»، وهو ما يشكّل دفعة كبيرة لنتائج مشاورات السويد، ويمهّد الطريق لجولة تفاوضية جديدة ينتظر أن تنطلق مطلع العام المقبل، الذي يأمل المبعوث الأممي بأن يكون «السنة التي ننهي فيها هذا الصراع»، كما قال غريفيث في حوار مع «أخبار الأمم المتحدة». تفاؤل يعزّزه سير الإجراءات التنفيذية لاتفاق الحديدة ـــ إلى الآن ـــ على نحو ما خُطّط لها، سواءً لناحية وقف إطلاق النار أو عملية «تنسيق إعادة الانتشار». ومساء أمس، أعلن عضو وفد صنعاء التفاوضي، عبد الملك العجري، أن «لجنة التنسيق الأممية المعنية بالإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار وصلت لممارسة مهامها»، وهو ما أكده لـ«الأخبار» مصدر من داخل ميناء الحديدة. ويستبق وصولُ الفريق الأممي إلى الحديدة وصولَ رئيس «لجنة التنسيق»، الجنرال الهولندي باتريك كامييرت، إلى العاصمة صنعاء التي يُنتظر أن يحطّ فيها اليوم، على أن يتوجّه منها في اليوم نفسه إلى الحديدة، ليبدأ مهامه هناك يوم الأحد. وفي الانتظار، تتواصل الهدنة في محافظة الحديدة منذ ليل الإثنين ـــ الثلاثاء، على رغم استمرار الخروقات في محيط المدينة وفي مناطق متفرقة من المحافظة.