حتى قبل توقيع الاتفاق الأمني والعسكري بين أبو ظبي وحكومة معين عبد الملك، ممثَّلة بوزير دفاعها، محسن الداعري، الأسبوع الماضي، كانت البلاد تبدو متاحة أمنيّاً وعسكريّاً للإمارات لتفعل ما تشاء، ومن دون إذنٍ من أحد، بخلاف السعودية التي بدت كأنها تتّكئ، خلال سنوات الحرب الثماني الماضية، على الحكومة الموالية لها لتمرير مشاريعها العسكرية والأمنية. غير أن التحوّلات التي شهدتها المحافظات الواقعة تحت سيطرة كلّ من السعودية والإمارات جعلت الأخيرة تتصرّف كأنّها صاحبة القرار، بعد تهميش نفوذ الرياض إلّا في بعض المناطق القليلة في المحافظات الشرقية، الأمر الذي حدا بأبو ظبي إلى تغيير طريقة تعاملها، فصارت تتعامل مع الحكومة مباشرة بدلاً من تقويضها والركون إلى الكيانات الموازية الأخرى المناوئة لها، سواء «المجلس الانتقالي»، أو «المقاومة الوطنية» التي يقودها طارق صالح، أو قوات «ألوية العمالقة» السلفية.من هنا، جاءت الحاجة إلى ضرورة توقيع اتفاق أمني وعسكري، وإنْ شكليّ، لأن الواقع الميداني يبدو أهمّ من المواقع الاستراتيجية من سواحل وموانئ وجزر واقعة تحت سيطرة الإمارات. وخلال الأشهر القليلة الماضية، أنشأت أبو ظبي مطاراً في المخا، وطوّرت ميناء قشن في المهرة، فضلاً عن استحداثها مناطق أشبه بأقاليم منفصلة بعضها عن بعض. وهي تسعى مثلاً، في محافظتَي تعز ولحج، إلى عزْل مديريّات الساحل عن الجبل، على أن يُدار هذا الإقليم من قِبَل طارق صالح. وتبدو أبو ظبي مضطرّة إلى الاتفاقية، وخصوصاً أنها تضمن لها استكمال مخطّط السيطرة على المحافظات الشرقية، وتغلق الباب، في الوقت ذاته، على الرياض للعودة مجدداً إلى منافستها جنوباً عبر دعم الحكومة.
تبدو أبو ظبي مضطرّة إلى الاتفاق لأنه يضمن لها استكمال مخطّط السيطرة على المحافظات الشرقية


لكن السؤال الذي يُطرح اليوم، ماذا بعد الاتفاق؟ وما مصير «اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة» المشكَّلة من قِبَل الرياض وأبو ظبي، والمخوّلة توحيد القوات الموالية للدولتَين؟ عمليّاً، تبدو تحرُّكات وزير الدفاع في كلٍّ من عدن ولحج، بعد توقيع الاتفاق، أشبه ببرنامج جديد للهيكلة تدفع في اتجاهه الإمارات من طرف واحد، وخصوصاً أن اللقاءات التي عقدتْها اللجنة العسكرية والأمنية كانت جميعها مع قيادة القوات الأمنية والعسكرية الموالية لها، فيما بدت المهمّة الجديدة لأبو ظبي توحيد جميع تلك الميليشيات تحت مظلّة وزارة الدفاع. أمّا عن تلك التي في حضرموت والمهرة ومأرب وتعز، فبدلاً من ضمّها وهيكلتها، تبدو المواجهة عسكريّاً معها مسألة وقت، ولكن هذه المرّة تحت راية وزارة الدفاع.
ومثّلت هذه الخطوة نزعاً لفتيل الأزمة التي تصاعدت بين «المجلس الرئاسي» من جهة، و«المجلس الانتقالي» من جهة أخرى، وخصوصاً أن اختيار الداعري كعرّاب لهذه المهمّة يطمئن «الانتقالي» المتوجّس من تمدُّد قوات طارق صالح جنوباً. وفي الوقت نفسه، فإن اختيار الداعري يُطمئن القوى المناهضة لـ«الانتقالي» ومشروع الانفصال، على اعتبار أنه لا ينتمي إلى هذا المشروع.
وهناك أسئلة أخرى تُطرح عن مدى صمود هذا الاتفاق أمام استحقاقاته على الأرض، وخصوصاً أنه لم يحدِّد مَن المستهدف، فيما وضع مهمّة «مكافحة الإرهاب» في متن نص الاتفاق، ما يكشف أن المهمّة هي التعاون لتدمير ما تبقى لحزب «الإصلاح» من قوّة في حضرموت والمهرة ومأرب وتعز، وهو ما يهدّد مستقبل الاتفاق ونجاحه، ليس فقط لأن الرياض لم تباركه، فضلاً عن رفضها غير المعلن له، بحسب تلميحات بعض الإعلاميين السعوديين المقرّبين من أصحاب القرار، ولكن أيضاً لأن القوى اليمنية ترفضه، سواء حكومة صنعاء أو القوات التابعة لـ«الإصلاح». وينطلق الموقف المشترك الرافض للاتفاق من كونه غير قانوني، لأن مجلس النواب هو وحده المخوّل البتّ بنوع كهذا من الاتفاقات.