وسيم عيد | نجح يوسف شاهين، على امتداد مسيرته السينمائية التي استمرت نحو ستة عقود، في أن يرسم لنفسه خطاً سينمائياً متفرداً، حتى بات هناك ما يدعى في السينما المصرية سينما يوسف شاهين. منذ بداياته، قدم شاهين نفسه كابن لثورة يوليو، مؤمن بمبادئها، ومدافع عن أفكارها في القومية والتحرر والعدالة الاجتماعية، لكن هزيمة 67 هزت شاهين في الصميم، كما هزت كل أبناء جيله الذين رأوا حلم الأمس يتضعضع وينهار، فقدم مجموعة من الأعمال الجريئة التي شرّحت الجسد المصري بحثاً عن الأخطاء، وأسباب الهزيمة، فجاء «الاختيار»، ثمّ «العصفور»، وأخيراً «عودة الابن الضال» الذي أنتج في عام 1976، والذي يعتبر خاتمة لما يمكن أن نسميه أفلام النكسة، ومرثية رومانسية للحلم الناصري.
لم يكن عبثاً على الإطلاق أن يحتوي الفيلم على لقطات حقيقية، صورها يوسف شاهين في جنازة عبد الناصر، وكأن تشييع الرجل هو تشييع في الآن ذاته للحلم الذي مثله، وظلّ مخلصاً له حتى رحيله المبكر أواخر صيف 1970.
يعتبر شاهين، مخرج الفيلم، وكاتبه صلاح جاهين، من أبناء التجربة الناصرية، ما جعل الفيلم بمثابة وداع لحلم جميل مضى بكلّ ما حمله من أفراح وأحزان: «آدي اللي كان وآدي القدر... وآدي المصير نودع الماضي... وحلمه الكبير نودع الأفراح... نودع الأشباح» تقول أغنية «مفترق الطريق» التي كتبها جاهين، وغنتها ماجدة الرومي في الفيلم.
وفي أغنية «الشارع لمين» تقول تفيدة (ماجدة الرومي) مخاطبة علي (أحمد محرز) وكأنها لسان حال الجماهير العربية تخاطب عبد الناصر، صاحب الوعد والحلم : «كان وعد منك... كان حلم منا... قالت الشفايف شافت عيونا... قوس الشتوية سبع ألوان»، ثم يرد علي، وكأنه يصف التيه الذي مثلته الهزيمة: «الشارع كان شوك... وأنا حافي ودمي عليه سيال... وورايا وقدامي سراب... وبغرق في الرمال».
في الفيلم، نجح شاهين كعادته في التوليف بين مجموعة واسعة من النجوم المخضرمين، ومجموعة من الوجوه الجديدة، التي كان بعضها يظهر للمرة الأولى على الشاشة، فقدم تحفة خالدة في تاريخ السينما العربية، ورغم مرور أربعة عقود على إنتاجه، لا يزال الفيلم، بمضمونه العميق، مصدر إلهام للعديد من الأعمال الفنية التي نشاهدها اليوم.


أرسلوا لنا مشاركاتكم على البريد الإلكتروني:
[email protected]