ناجي سليمان | الصدمة، هي الشعور الأول الذي يمنحه لك الشاعر جودت حسن (1952) وأنت تدخل عالمه الغريب، الثري بالصور المكثفة، والمحتشد بالأفكار، عبر مجموعته "الإمبراطور في ورطة" (دار الصباح ـ حمص ـ 2005)."أنحدر من قبّة الشعر والسخرية / إلى لذّةٍ يخلقها الشرق باللهاث / أنا حيوانٌ جميل في الثانية والخمسين / لا تعجبني أشكال النساء والبرلمانات/ وعليّ أن أعيد رسمهم في الخرائط / ومن الرومانس إلى الـsex / سأتحدّث عن الحريّة كمعتوه".
يورّطنا الكاتب في دوامة البحث عن معنى الكلام، يُخال إليك أنّك تقرأ لشخصٍ ثمل، يهذي وسط الضجيج جملاً غير مفهومة، فيعود ويمسك بيدك إلى رأس المعنى. تجهد نفسك لتتذكّر شيئاً من الصفحة السابقة للتي في يدك، وتفشل.
يقتبس جودت حسن من كلمةٍ للشاعر أوكتافيو باث ليعرّف عن نفسه في بداية الكتاب بـ"الشاعر التراجيدي والمهرّج الأبله". هكذا يصادر منك أيّ انطباعٍ آخر عنه. يلهو باللغة كأداة. يسخر من قدسيّتها لدى الأدباء. يزجّ بكلماتٍ عاميّة في النص دون عمليات تجميلٍ لغوية، وبرمزيةٍ، متعبة للقارئ، يبني قصيدته النثرية. هناك هاءٌ دائمة في القصيدة لا أعلم لمن تعود، وكذلك أشخاصٌ لا أعرفهم، ولا هو يعرّف عنهم. هناك قطةٌ دائمة في النص "تنتظره لأن يفتح علبة السردين".
يحاول تفسير العالم وتغيير بؤسه. يخاف من الأقبية "قلمٌ يرتجف من أفعال الأمر". يحقد على "المرسيدسات السوداء". يهذي بـ مها، وشانتال التي "إليتها أقوى من بيانات الجامعة العربية / وشفتاها أحرّ من لهب الظهيرة".
يتنبأ لنا بورطة الإمبراطور، وبالحفلة التي ورّطنا بها قبل أن تصل إلينا. كلّ ذلك يتمّ بوضوحٍ مفقود، أو لنقل بوضوحٍ مختبئ في عقل القارئ. نجد كلمات واضحةٍ كضوء الشمس، وأخرى غامضة كالعتمة.
لم يسعفني "غوغل" بمعلوماتٍ جديدة عن الكاتب. يبدو أن أقلام النقّاد بقيت بعيدة عن نمطه السوريالي، المتمرّد على قيود المنطق والواقعية، والذي تلبّس به منذ صدور أولى مجموعاته (رومانس للربيع السكران ـ 1983)، إلى حين إعلانه، في 2004، عن قصيدته ذات الستة آلاف صفحة والموزّعة على 16 مجلّد، صدر منها أربعة عناوين حتى الآن، منها ديوان "الإمبراطور في ورطة". هو كتابٌ لا أعلم إن كان جيّداً أم لا، لكنّه مغامرةٌ تستحقّ وقتاً للخوض في "أرض تطمرني بالوحل / ما بين شهيدٍ يسقط في جورة لاهوت / ومقاتل بلا رصاص /
نسبح في حروبٍ خاسرة مع الأرانب / فجأةً أصرخ بأبقار الحريّة / هذا فضاءٌ يتّسع للفضيحة."

أرسلوا لنا مشاركاتكم على البريد الإلكتروني:
[email protected]