لا يكاد الرأي العام يهضم أحد قادة الجيل الثاني في قوى 14 آذار، حتى تُدفع شخصية «تاريخية» أخرى إلى الواجهة. طارق شندب، آخر «الاكتشافات» بعد معين المرعبي وصالح المشنوق ونديم قطيش. صعد المحامي الشاب إعلامياً بقوة أخيراً، بعد تقديمه إخباراً ضد وزير الداخلية السوري محمد الشعّار بتهمة ارتكاب جرائم إبادة في الشمال.
يبدأ البحث عن شندب من الضنية، تحديداً من بلدتي بقرصونا وسير، حيث لعائلته نفوذ تاريخي وشهرة واسعة، مكّنت والده محمد شندب من الحصول منفرداً في انتخابات 1996على 14804 أصوات، ودفعت تيار المستقبل الى التدخل عام 2009 لسحب عمّه من الانتخابات ليضمن فوز لائحته، لكن الأكثرية هنا لم تسمع بـ «طارق شندب»أو «الأستاذ طارق». فاللقب القروي يسبق اللقب المهني، وحتى الاسم الأصلي، في هذه البلدات. فقبل أن يغدو طارق «أستاذاً» لقّبه أشقياء البلدة بـ «المسخرة». فلا يكاد يصل بقرصونا حتى يردّدون «الله يستر، أتى المسخرة»، ويشكرون ربهم لدى مغادرة «المسخرة» حين يغادر.

محاولتا اغتيال

قبل تفرغه لمحاكمة الوزراء، طرق الشاب أبواباً أخرى للشهرة. هو، على غرار الوزيرين السابقين مروان حمادة والياس المر والنائب عمار (القنبلة الصوتية) حوري، «شهيد حيّ». ففي 4 نيسان 2010، أعلن شندب عن إطلاق مسلحين النار على سيارته، على طريقة اغتيال الوزير بيار الجميل، من دون أن يصيبوه. ولمّا نجا، تكررت المحاولة، عبر إحراق مجهولين «رانجه» قرابة الثالثة فجراً، فنجا مرة أخرى، إذ كان نائماً في سريره لا في السيارة. إلا أن المحكمة الدولية لم تتحرك في المرتين، وخلصت التحقيقات إلى تبرئة المتهمين حتى من دون أن يكلّف هؤلاء أنفسهم عناء تعيين محام يدافع عنهم. أما أبناء بقرصونا، فبعضهم مقتنع بأنه هو من أطلق الرصاص على سيارته قبل أن يحرقها. والبلدة تعرف ابنها أكثر من الكاميرات: تتذكره طفلاً يلهو في صالون مركز الاستخبارات السورية في طرابلس أثناء اجتماع والده والمسؤول عن المركز، فمراهقاً لا يمل من التردد على المركز نفسه الذي يحلم بمقاضاة من كان مسؤولاً عنه، وأخيراً طالباً في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الفرع الثالث، تتجنبه الجماعة الإسلامية والتيار الوطني الحر وغيرهما، ويتوسط له الأساتذة البعثيون لدى مدير الكلية لإنجاحه. أما قمة «المسخرة»، فكانت الايمان المفاجئ الذي هبط عليه لدى استدعائه إلى خدمة العلم، وارتداءه ثوب رجل دين وعصب رأسه بعمامة. واستكمالاً، لم يكد جهاز الأمن العام يوقف شادي المولوي هذا العام، حتى فوجئت أسرة مولوي ومحاميه محمد حافظة، بشندب يرتدي بذلة رسمية في ساحة الرئيس رشيد كرامي، ويتنقل بين الكاميرات بوصفه «محامي المولوي»، معلناً أن «شادي خطف، بناءً على معلومات جاءت من سوريا، ومن ألقى القبض عليه ليس جهازاً أمنياً إنما جماعات مسلحة». ولولا تدخل وسطاء، لتقدم حافظة بدعوى رسمية لدى نقابة المحامين ضد منتحل صفة. أما إعلاميّ الجزيرة فيصل القاسم، فينقل عنه، بوصفه ناشطاً في «المركز اللبناني لمتابعة أوضاع اللاجئين السوريين»، ترحيل السلطات اللبنانية «أكثر من 250 لاجئاً سورياً، وتسليم الجيش والأمن اللبناني اللذين يسيطر عليهما حزب الله الجنود السوريين المنشقين للجيش النظامي».

تسلية مؤذية

من العام إلى الخاص، لا يكاد الزائر يطرق باب أسرة شندب حتى تطالعه ببيان تغسل يديها بواسطته من «ارتكابات» ابنها، محمّلة «التخبط النفسي» مسؤولية إطلالاته الإعلامية. يقول أحد أقربائه إنه من هواة الدعاوى القضائية التي «لا تكلفه أكثر من خمسة آلاف ليرة ثمن الطابع البريديّ، وتحوله في المقابل بطلاً إعلامياً». إلا أن هوايته هذه باتت تهدد بالأذى أسرته التي يعيش بعض أفرادها في سوريا، التي يتردد عليها والده على نحو دائم.
لدى مراجعة سرايا طرابلس، يتبيّن فعلاً أن عضو نقابة المحامين يهوى الدعاوى. ففي نيسان الماضي، ناداه «واجب الدفاع عن المظلومين» للتقدم بدعوى «ضد الرئيس السوري بشار الأسد في لاهاي». ولم يلبث، حرصاً على «المظلومين»، أن تقدم بدعوى ضد الأمين العام لـ «الحزب العربي الديموقراطي» رفعت عيد بتهمة إطلاق النار متسبباً بوقوع قتلى وجرحى وخسائر في الممتلكات. علماً أنه لم يربح في تاريخه أية دعوى قضائية، ولا يملك مكتباً لمزاولة المهنة. وأمس فقط، ادعت إحدى موكلاته عليه في مخفر باب الرمل بتهمة الاحتيال، وحوِّل الملف إلى تحري طرابلس للتوسع في التحقيق، فيما لا تكل نقابة المحامين في الشمال عن التصدي الدائم لطلبات السماح بمقاضاته. وقد سبق أن ردّت محكمة الاستئناف في الشمال طلب السيدة سمر الحاج لإبطال قرار النقابة بعدم السماح بملاحقته بجرم القدح والذم، لأن ما تطلب مقاضاته بشأنه هو «رأي قانوني». وفي «رأيه القانوني» المنشور في صحيفة المستقبل بتاريخ 1 أيار 2008 يستنكر عبارة «الاعتقال التعسفي» المتداولة بخصوص الضباط الأربعة، باعتبارها وصفاً كاذباً لاعتقال غير تعسفي. ويؤكد شندب في «الرأي القانوني» امتلاك «القضاء اللبناني ولجنة التحقيق معلومات ودلائل تشير إلى تورط الضباط الأربعة وغيرهم» في جريمة العصر.
ولا يتردد الرجل في مخاطبة الرؤساء بين وقت وآخر. ففي أيار 2011 عاب شندب على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري دعوة من عارضوا إنشاء المحكمة الدولية إلى الحوار. وفي 11 كانون الأول الماضي أعلم رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن القضاء يتحمل المسؤولية عن دوامة العنف التي تشهدها طرابلس، لإخفاء النيابة العامة ملف المدعى عليه رفعت عيد، وعدم تحريك النيابة العامة العسكرية ملف خطف المعارض السوري شبلي العيسمي.
لا تمل قوى 14 آذار من المفاجآت. يمكن بعض محاميها أمثال نديم الجميل وميشال معوض الالتحاق بـ «مكتب المسخرة للمحاماة».