لم يختر علي الحضن الذي سيؤويه. الطفل الشيعي، الذي لم يكمل عامه الثالث، صار بلا أمّ بعدما انفصلت عن والده. وبلغة الشرع، سيكبر من دون أمّ، في حضن الوالد الذي مُنح حقّ حضانته ابتداءً من عمر الثانية. عليّ آخرُ بقي مع أمه، رغم تخطّيه «عمر الشرع». بقي، بسبب «كرم أخلاق الوالد»، تقول رنا جوني، الأمّ التي انفصلت قبل ستة أشهر عن زوجها. ولكن، في أية لحظة، قد يتخلى الوالد عن كرمه ويسترجع الابن «شرعاً» من حضن أمه. كثيرون سيكبرون بالطريقة نفسها. بلا أمّ. في حضن والد قد لا يعرف التعويض. ففي مثل هذا العمر، لا يتقن الصغار كيفية العيش بلا والدة. تماماً، كما لا تتقن هي الفقدان. وقد يكفي النظر في دعاوى الحضانة التي ترفعها الأم غالباً في المحاكم الشرعية. ففي مقابل والد يرفع دعوى، يوجد والدتان.
ولئن كان عدد الدعاوى المرفوعة في هذا الخصوص ليس كبيراً، إذ «لا يتعدى الـ 8% من الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم»، بحسب الشيخ محمد كنعان، المستشار في المحكمة الشرعية الجعفرية العليا، إلا أن أمهات كثيرات لا يجرؤن على تلك الخطوة، خوفاً من الزوج. ولذلك، يفقدن الحضانة ويتألّمن بصمت.
هذا اليأس أخرج بعض المتألمات إلى العلن، مطالبات برفع سن الحضانة لدى المذهب الشيعي إلى عمر 18 عاماً. زينة ابراهيم، واحدة من هؤلاء. هي لم تخسر ابنها بعد «لكرم والده». ولكنها تعيش حياتها وطفلها يوماً بيوم. «اليوم معي، بس بكرا ما بعرف»، تقول. ولأن «بكرا» غامض، قررت القيام بحملة عبر «فايسبوك» تطالب فيها برفع سن الحضانة لدى المذهب الشيعي، متكئة على تجربة ناجحة قامت بها أمهات أخريات من المذهب السني وأفضت إلى موافقة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى على رفع سن حضانة الأم لطفلها/تها من عمر 9 أعوام إلى 12 عاماً. لكن، فات تلك الشابة أن «الشيعة ليسوا السنة»، على حد قول أحد مشايخ المذهب، وفاتها أيضاً أن ما فعله المجلس الشرعي لم يثر غيرة الشيعة. كما لم يثر إنجاز الروم الأرثوذكس سابقاً والإنجيليين قبلهم غيرة السنة. وفات زينة أيضاً أن «الأم السنية» ناضلت 6 سنوات كي يصبح حلمها ممكناً.
لكن، ما الذي يجعل من هذا الحق صعب المنال؟ ولمَ يجب على كل واحدٍ أن يبدأ من نقطة الصفر لا من حيث انتهى الآخرون؟ وما الذي يميّز الشيعي عن السني وعن الأرثوذكسي مثلاً؟
ثمة فارق شاسع، تعلق المحامية إقبال دوغان، التي بدأت حملة رفع سن الحضانة لدى الطوائف قبل 10 سنوات ولا تزال. فارق لا يقاس بالسنين أبداً، وإنما بالنص. فالشيعي ليس سنياً ولا يمكن أن يكون أرثوذكسياً. ولهذا، «عليك البدء من الصفر في كل مذهب»، تقول دوغان. وهي عندما طرحت تعديل سن الحضانة لدى المذهب السني، بدأت من الصفر واحتاج الأمر إلى 6 سنواتٍ كي تكسب الأم 3 سنواتٍ إضافية من الحضانة. ومع الشيعة «قد يستغرق الأمر أكثر»، تقول. فبعد 4 سنواتٍ من التواصل مع مراجع المذهب الشيعي، لا يزال الباب موصداً. لماذا؟
في المذهب الشيعي، ثمة تعويل على الاجتهاد، ولكن «الاجتهاد نفسه لا يمكن أن يكون إلا داخل النص الشرعي وليس في مقابل النص، وإلا أصبح بدعة، فالفقيه عندما يصدر حكماً يدرس ولا يستند إلى رأيه الشخصي»، يقول كنعان. وعلى هذا الأساس «لا يمكن تجاوز النصوص السابقة المستندة إلى بحث علمي دقيق أوصل الفقهاء إلى هذه الخلاصة، والفقيه عندما حدّد سنتين للذكر لم يجلبه من عنده، وإنما استند إلى دلائل ونصوص شرعية»، يتابع الشيخ محمد المقداد، مدير المكتب الشرعي للإمام الخامنئي في لبنان. وإلى تلك الشرعية، تضاف الحياتية التي هي أيضاً أساس. فماذا ستفعل أمّ بطفل في حال تزوجت مرة أخرى و«خصوصاً أن الكثير من النساء المطلقات يتزوجن مرة أخرى، والزوج الجديد قد لا يتقبل وجود أولاد زوجته من رجل آخر؟».
لكن، ماذا لو قرّرت البقاء إلى جانب أطفالها؟ هل يسعفها الشرع هنا؟ الإجابة هي أن الشرع بُنيَ على «الأعم الأغلب»، ولم يُبنَ على مقاس أفراد. هناك التزامات، على الأقل في الوقت الحالي. التزامات «بعمر الشرع» في حال النزاع، أو بالتوافق بين الزوجين في حال الرضى. أما في المنظور المتوسط والبعيد، فهناك من يجد أن الأمر قد يطرح، لكنهم قلّة. فقد «يطرح، فيما لو صارت هناك قناعة لدى الفقهاء بنوعية هذا الحكم: تأسيسي أو تدبيري»، يقول المقداد. فإذا اتفق على أنه حكم تأسيسي «لا يمكن الحديث عن تغيير، ذلك أن هذه الأحكام لا تقبل التغيير أو التبديل كالصلاة». أما التدبيري، «فيمكن الحديث عن تطوير». لكن، حتى مع التدبيري، قد يكون الوصول صعباً «إذ لا يمكن تجاوز الآراء التاريخية المبحوثة علمياً»، يقول الشيخ القاضي عبد الحليم شرارة. مع ذلك، هناك تعويل على مكانٍ ما يستند «إلى حاجة الطفل الروحية» وإلى طبيعة العرف «وما إذا كان مما يمكن أن يتصالح عليه الناس، طالما أنها لا تخالف حكماً شرعياً»، يقول المدير العام لمعهد المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادي. وبما أنه لم يثبت أن حق الحضانة فيه نص صريح، وهو بمثابة عرف، إلا أن هناك «ما يشبه الإجماع على هذا الموضوع كونه مبنياً على مناخات نصوص، وهنا صعوبة الوصول إلى اجتهاد جديد»، يتابع جرادي.
في المقابل، هناك من يشير إلى وجود «نصوص شرعية واضحة وحاكمة، وبالتالي لا يمكن الخروج عنها»، يقول كنعان. والنصوص الشرعية في خصوص هذا الأمر تدور «في فلك 3 أشياء تراعى فيها مصلحة الأم (ولا تضار والدة بمولودها) ومصلحة الأب (ولا مولود له بولده) ومصلحة الطفل أو ما اصطلح على تسميته غبطة الطفل، وهي التي تحدّد هوية الحاضن الذي يجب أن يكون مأموناً على الولد»، يتابع. والحكم هنا «يرجع لسلطة الحاكم الشرعي الاستنسابية المحكومة بالقواعد الشرعية». وهنا أيضاً «تدرس كل حالة بحالها».
وللمعوّلين على باب الاجتهاد المفتوح، فلا «يقوّوا». ففي الفقه الجعفري «الاجتهاد له منهجية علمية صارمة، يتبع فيها الفقيه الأدلة في الدراسة ويقرأها حسب القواعد العلمية، وقلما يحيد الفقيه عن الآراء المبحوثة تاريخياً». والدليل؟ أن المذهب السني في تعديله إلى عمر الـ 12 عاماً «لم يحد عن الآراء، وإنما أخذ بقول المذهب المالكي».
لكن، في السيرة الشيعية، لا شيء أبديّ. والحق في الحضانة جزء من هذه الأشياء. فالحكم بالحضانة للوالد لا يلغي للأم حقها في ما بعد. والدليل؟ سن التخيير. وهنا النقطة المضيئة، فسن التخيير الذي شرطه التمييز، أو البلوغ بشرط الرشد، قد يعيد للوالدة ولداً خسرته بحكم شرعي، وبالطريقة الشرعية أيضاً. وهو يتراوح بين 12 و13 لدى الذكور و9 للبنات. وليس 18 بطبيعة الحال. لكن، من يضمن اختيار طفل لأم فارقته في عمر لا يتقن التمييز فيه؟ ومن يضمن بقاء صورتها على نقاوتها في خيال طفل منزوع من حضنها لأسباب خلافية؟



إنجازات شبكة حقوق الأسرة

عملت شبكة حقوق الأسرة على انتزاع عدد من الحقوق بحسب رئيسة الشبكة المحامية إقبال دوغان. فبعيداً عن الإنجاز المتعلق برفع سن الحضانة إلى 12 عاماً، صدر الإنجاز الآخر الذي يحظر على الوالد إخراج الطفل في عمر الحضانة من البلاد إلا بموافقة أمه. وللنفقة أيضاً إنجازها، إذ لم تعد تحسب من «لحظة صدور الحكم، وإنما من بداية رفع الدعوى، يضاف إليها نفقة العدّة، حيث لم تعد تفلح محاولات تأخير الزوج لتسجيل طلاقه كي لا تستحق النفقة، وإنما صار للنفقة مفعول رجعي».
ثمة تعديلات أخرى تتعدى الـ 12 تعديلاً، ومنها المهر، «بحيث يتم التعامل معه بحسب قيمته الفعلية في حينها». فمثلاً «المئة ألف في الثمانينيات لا تدفع 100 ألف الآن، وإنما اقترحنا أن تستبدل قيمتها بالذهب مثلما كان سعره في تلك الأيام، ولكنه لم يمر، لذلك اقترحنا أن تستبدل قيمة النصف بالذهب بحسب سعره في تلك الأيام وأن يدفع النصف الآخر للزوجة كما هو».