يعيد الناشط البيئي أجود العياش تحريك قضية رفض وزارة الداخلية إعطاء العلم والخبر لجمعية «الطبيعة الأم»، التي أسسها مع اثنين من قريته بعورتا، بهدف متابعة قضية النفايات ومطمر الناعمة. يقول إنّه أوكل منذ نحو أسبوعين المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية برفع دعوى أمام مجلس شورى الدولة، وأنّه سيتابع القضية حتى النفس الأخير.
كان العياش قد تقدم ببيان العلم والخبر إلى مديرية السياسة واللاجئين والجمعيات في وزارة الداخلية في 5/11/2013، إلّا أنّ الطلب رُدّ بحجة أنّ الجمعية ستؤدي إلى «مشاكل بين أهل القرية». ويتحدث الناشط عن أسباب سياسية حالت دون إعطائه العلم والخبر، لا سيما بسبب دوره البارز في حملة إقفال مطمر الناعمة، والتي بلغت أوجها في الاعتصام أمام المطمر في 17/11/2013 واعتقاله «تعسفياً» بتهمة تحريض المعتصمين. برأيه، تجلت الممارسة غير القانونية في إجراءين الأول هو «الأخذ برأي الأمن العام الذي تولى الاستقصاء عني من خلال استجواب رؤساء بلديات محسوبين سياسياً (يقصد احد الاحزاب النافذة)، في حين أن هذا الأمر مخالف للقانون، والإجراء الثاني استمزاج رأي رئيس بلدية بعورتا أحمد العياش الذي أوعز بعدم قبول طلب الجمعية بدلاً من الذهاب إلى المختار الذي لديه رأي مخالف».
حالة العياش ليست فريدة إذ أنّ المفكرة القانونية تلقت، في اطار مبادرتها الفايسبوكية لتوثيق هذه الممارسة غير القانونية صوناً لحرية إنشاء الجمعيات، نحو خمس حالات أوصى الأمن العام بعد الاستقصاء عنها بعدم إعطائها العلم والخبر، إلا أنّ أياً من أصحاب هذه الحالات لم يشأ أن يحوّل قضيته إلى قضية عامة كما فعل العياش، وفضّل التريث في انتظار تسوية ما.
المفارقة أنّه في وقت ان الحكومة ومجلس النواب مطالبان بتطبيق الاتفاقية الدولية 87 التي تكرّس في مادتها الثانية حق التنظيم النقابي من دون ترخيص مسبق، يتحول العلم والخبر لإنشاء الجمعيات إلى ما يشبه الترخيص خلافاً لقانون الجمعيات العثماني الصادر في عام 1909 والمعمول به حتى اليوم، اذ «إن الجمعيات لا تخضع للترخيص المسبق، بل لنظام العلم والخبر، حيث تنشأ الجمعية بمجرد التقاء مشيئة مؤسسيها وتصبح قائمة تجاه الدولة بإيداع أوراقها (أي بيان تأسيسها: النظام الأساسي والنظام الداخلي وهويات المؤسسين وسجلاتهم العدلية، وأهداف الجمعية وعنوان مركزها) لدى وزارة الداخلية. فـ»المادة 2» من قانون الجمعيات تنص على: «أن تأليف الجمعية لا يحتاج إلى الرخصة في أول الأمر ولكنه يلزم في كل حال بمقتضى المادة السادسة إعلام الحكومة بها بعد تأسيسها».

لبعض من رُفض طلبهم لم يشاؤوا الحديث عن قضيتهم


مرّت حرية تأسيس الجمعيات بمطبات كثيرة، كما يقول لـ «الأخبار» المحامي زياد بارود. فطوال فترة الحرب اللبنانية تحوّل العلم والخبر إلى ترخيص وسادت ممارسة غير قانونية مفادها تسلم الأوراق من دون إعطاء أي إيصال بها، إلاّ أنّ النائب غسان مخيبر دافع مع جمعية «عدل» عن حرية الجمعيات، عبر اللجوء إلى القضاء لوقف هذه الممارسة. وقد أقر مجلس شورى الدولة في قراره الصادر في 18/11/2003 بأن «الجمعية تتمتع بأهلية التقاضي بمجرد تسليمها بيان تأسيسها المذكور في المادة السادسة من قانون الجمعيات وبحكم القانون إلى وزارة الداخلية، الملزمة في المقابل تسليم العلم والخبر من دون إبطاء، ولا تتمتع في ذلك بأي سلطة استنسابية، ذلك أن الجمعية تؤسس بإرادة مؤسسيها (...) وإن دور الإدارة يقتصر ما دامت الجمعية مجرد اتفاق، على قبول البيان الذي يقترحه القانون وإعطاء أصحاب الشأن علماً وخبراً وإيصالاً يثبت المعاملات المقررة بالقانون».
المرحلة الأخطر، كما يقول بارود، كانت بين عامي 1990 و2005 لا سيما حين فرض وزير الداخلية السابق ميشال المر شروطاً إضافية كأن تعطي الجمعيات معلومات مسبقة عنها وأن يحضر مندوب من وزارة الداخلية انتخاباتها.
في 8/8/2005، ألغى مجلس الوزراء القرار الرقم 60/93 المتعلق بفرض موافقة مجلس الوزراء المسبقة قبل حصول أي جمعية سياسية على العلم والخبر من وزارة الداخلية.
وفي عام 2006، أصدر وزير الداخلية والبلديات بالوكالة أحمد فتفت التعميم الرقم 10/ام/2006 الذي يفرض، بحسب بارود، على دوائر وزارة الداخلية التزام الآلية التي نص عليها القانون الصادر عام 1909. إلا أنّ هذا التعميم أثار يومها انتقادات الخصوم السياسيين الذين قالوا إنّ فتفت «استفاد من التعميم ليغرق المجتمع المدني اللبناني بمئات الجمعيات الدينية والسياسية من دون مراقبة ومن دون التفات إلى غاية بعضها التي تخالف الدستور اللبناني» (في إشارة إلى حزب التحرير الإسلامي الذي يدعو إلى تغيير النظام اللبناني وإحلال الخلافة محله). ورأى هؤلاء أن هذا التعميم لم يضع حداً لاستنساب الإدارة في التوقيع على العلم والخبر، إذ أنجزت معاملات مئات الجمعيات المحسوبة على السلطة في أيام معدودة (حزب القوات اللبنانية مثالاً)، وبقيت جمعيات أخرى غير محسوبة عليها تنتظر سنوات.
وبين عامي 2008 و2011، طبق التعميم الذي أصدره بارود نفسه حين كان وزيراً للداخلية ويحمل الرقم 15 / أم / 2008 (12 أيلول 2008). هذا التعميم أثار هو الآخر انتقادات الحقوقيين، فهناك من قال إنّه يكرس بنص صريح دور الامن العام في الرقابة المسبقة على هذه الجمعيات، الا ان التعميم الذي اصدره بارود نص على ان «يُحال بيان العلم والخبر فور توقيعه إلى المديرية العامة للأمن العام لإجراء التحقيقات اللازمة والاستعلام عن كافة نشاطات الجمعية ومؤسسيها، ويُصار بعدها إلى إفادة المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين مباشرة عن نتيجة هذه التحقيقات بالسرعة الممكنة، بحيث يمكن للمديرية العامة للأمن العام والمديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين اقتراح رفض تسليم العلم والخبر وحل الجمعية إذ تبين وجود أي مانع يحول دون استمرارها على أساس مخالف لأحكام المادة الثالثة من قانون الجمعيات، بحيث يصار بعدها إلى رفع الأمر من قِبل الوزير إلى مقام مجلس الوزراء لإقرار اللازم». الا ان بارود اوضح لـ «الأخبار» أن هذا التعميم لا يلزم الوزارة ان تأخذ بالرأي المسبق للأمن العام إنما تبلغه نسخة عن العلم والخبر بعد صدوره ولا تودعه ملف الجمعية، وخصوصاً أنّه قد تكون هناك جمعيات لها نشاطات أمنية وليست سياسية، وبالتالي ينحصر دور الامن العام في الجانب الامني فقط لا غير.