منذ إجراء انتخابات مجلسها التي حصلت في حزيران عام 2010، بدا أن الأوضاع متّجهة صوب التدهور في نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان. والوقت لم يطل ليحصل التدهور الكلّي. فبعد 8 أشهر من ذلك الاستحقاق، وتحديداً في الثالث من الشهر الجاري، استقال 8 أعضاء من أصل 10 أعضاء يؤلفون المجلس. السبب: لم يستطيعوا الاستمرار بالعمل مع الرئيس، موفّق اليافي، حلفاء كانو أو معارضين.
بقي اليافي وحيداً، إلى جانب زميل واحد فقط، رافضاً حتّى الآن الدعوة إلى انتخابات جديدة وفقاً لما تنصّ عليه المادّة 35 من قانون تنظيم مهنة الخبراء المجازين في لبنان التي تقول: «يُعتبر مجلس النقابة منحلّاً إذا بلغ عدد المراكز الشاغرة فيه ستة، ويُصار عندئذ إلى انتخابات جديدة تُجرى خلال مدّة أقصاها شهران من تاريخ انحلال المجلس».
مضى على «الانحلال» حتّى الآن 15 يوماً، وأعضاء المجلس المستقيلون بدأوا بالتحرّك جدياً في وجه شخص يقولون إنّ مسيرته تشوبها ملاحظات كثيرة يبدو أنّها تُمحى في كلّ مرحلة بغطاء سياسي.
ووفقاً لما علمته «الأخبار»، فإنّ علاقة جيّدة تجمع فؤاد السنيورة بموفّق اليافي، وهي علاقة مستمرّة، رغم أنّ هذا الأخير أضحى مكروهاً من قبل الجميع في محيطه تقريباً. فالمجلس الذي (كان) يرأسه هو لمصلحة فريق «14 آذار» إذا صحّ التعبير، بواقع 7 أعضاء مقابل 3 أعضاء لفريق «8 آذار»، ورغم ذلك حُلّ باستقالة 8 أعضاء، من «القوّات» و«المستقبل» وغيرهما، وطبعاً الأعضاء المحسوبين على المعسكر الثاني.
التغطية لها أسباب كثيرة، ربّما لأنّ عقل السنيورة يتماهى جيّداً مع عقل اليافي على أصعدة مختلفة. وهنا يُفيد جداً ذكر أنّ موفّق اليافي هو من يضبط حسابات «دار الفتوى»!
أمام هذا الوضع والانتقادات الكثيرة لأدائه، قال موفّق اليافي، في حديث إلى «الأخبار»، إنّ «ثلاثة أعضاء من أصل الأعضاء الثمانية المستقيلين كان لهم أساساً اعتراض على تعيين الأمين العام للمجلس، أمّا الأعضاء الخمسة الآخرون فولايتهم تنتهي بعد شهرين»، وهو التاريخ الأقصى لإجراء انتخابات بعد استقالة المجلس. لذا، «فهؤلاء ليس لهم أي جميل في الاستقالة، بحكم أن ولايتهم تنتهي قريباً».
وأوضح النقيب أنّ «التوجّه حالياً هو لتنظيم انتخابات جديدة يقرّرها مجلس النقابة الذي يُفترض أن يُعقد في الأسبوع المقبل»، مشدّداً على أنّ «الوضع في النقابة ممتاز وليست هناك أيّ مشاكل».
ولكن إذا كان الوضع ممتازاً، فلماذا هذه الثورة ضدّ موفّق اليافي من جانب حلفائه المفترضين ومناوئيه في الوقت نفسه؟
هناك شبهات وملاحظات كثيرة على ممارسات نقيب خبراء المحاسبة، خلال ولايته، تُتداول على نطاق واسع بين الخبراء. وبحسب خبراء محاسبة ووثائق جرى تداولها بينهم لنشر الوعي بشأن ممارسات رئيس المجلس، فإنّ أموال النقابة تُصرف من دون موازنة لعامي 2010 و2011. كذلك فإنّ حسابات النقابة غير مصدّق عليها من قبل الجمعيّة العموميّة! نعم، نقابة محاسبين من دون حسابات مدقّقة (يُذكّر الأمر كثيراً بحسابات الدولة اللبنانيّة التي أدارها فؤاد السنيورة خلال 15 عاماً).
إضافة إلى ذلك، أسس رئيس النقابة المخلوع «المنظّمة العربية لخبراء المحاسبة القانونيّين»، وهي منظّمة أجنبيّة غير مرخّص لها بالعمل في لبنان، ولم توافق النقابة على تأسيسها. ورغم ذلك، نظّم النقيب مؤتمراً لهذه المنظّمة في لبنان بعنوان «التحدّيات الضريبيّة أمام تنمية الاستثمارات العربيّة». ومن جملة «السلوكيّات الخاطئة» التي يشير إليها الخبراء، يبرز في أكثر من مناسبة واستحقاق «تفرّد» في اتخاذ القرارات، وهنا يمكن الحديث عن إعداد النقيب مشروع قانون لتعديل قانون تنظيم مهنة خبراء المحاسبة المجازين ومشروعاً آخر يتعلّق بحصانة الخبير وإيداعهما المراجع النيابية من دون موافقة مجلس النقابة.
وحالة الشرخ بين الخبراء ونقيبهم تكرّسها أخطاء استراتيجيّة يرتكبها موفّق اليافي، مثل إرساله دعوة إلى الخبراء، من دون علم المجلس، تهدف إلى «نقل النقابة من حضن السياسة إلى حضن المهنة»، تضمّنت «إساءة إلى قسم كبير» من الخبراء، وذلك خلافاً للمادّة الرابعة من قانون النقابة التي تدعو إلى «الوئام والتعاون والتعاضد».
إزاء هذه الممارسات، تُضاف إليها مجموعة كبيرة في لائحة يتداولها المحاسبون في الرقابة للتجييش ضدّ اليافي، اتخذ أعضاء النقابة إجراءات كثيرة في الآونة الأخيرة للحدّ من مجال المناورة الذي يُمكن أن يستغلّه إلى حين إجراء انتخابات جديدة، ومنعوه أخيراً من بعث رسائل إلكترونيّة ورسائل قصيرة عبر الهاتف الخلوي (SMS)، حاصرين ذلك بضرورة موافقة المجلس مجتمعاً.
كذلك يشير بعض خبراء المحاسبة المطّلعين على ملفّ موفّق اليافي إلى مسألة أكثر خطورة: النقيب يواجه دعوى قضائيّة. فقد صدر في حقّه قرار ظنّي في 16 آب عام 2004، لدوره في قضيّة تزوير وثائق في قضيّة سندات. وخلال التحقيقات في ذلك العام، أوقف اليافي وجاهياً بين 30 حزيران والثالث من تمّوز. ولا تزال الدعوى قائمة حتّى الآن، لكنها «مجمّدة بإرادة سياسيّة»، يقول مطّلعون على هذا الملفّ.
وتتعلّق الدعوى القضائيّة بإقدام اليافي، بالاشتراك مع مساعده سهيل فرشوخ، على «تقديم تقرير مناف للحقيقة وغير صحيح أمام مرجع قضائي» في قضيّة سندات، وفقاً للقرار الظنّي الصادر عن قاضي التحقيق في بيروت. ويُتهم اليافي بأنه ضالع في تزوير إمضاءات ثلاثة أشخاص واستخدام أوراقهم الثبوتيّة من دون علمهم أو لغاية غير تلك المعلنة، لإمرار سندات.
ويخلص القرار إلى «إيجاب محاكمة المدّعى عليهما أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت».
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ فؤاد السنيورة غطّى شخصياً موفّق اليافي في هذه القضية وجمّدها، كذلك غطّاه في الاستحقاق الانتخابي للنقابة في صيف عام 2010. فهو اتصل مرتين برئيس الهيئة التنفيذيّة في «القوات اللبنانيّة» سمير جعجع لترتيب التحالفات في انتخابات المجلس لمصلحة اليافي. كذلك فعلت النائبة بهية الحريري مع ستريدا
جعجع.



2038 مضمونون

عدد خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، بينهم 1150 خبيراً يحقّ لهم الاقتراع في انتخابات مجلس النقابة، نظراً إلى أنّهم يسدّدون اشتراكاتهم. ويُشار إلى أن المرشّحين يعمدون إلى إغراء غير المسدّدين بتسوية أوضاعهم الماليّة والنقابية عموماً شرط الاقتراع لمصلحتهم.



تمييز غير مقبول

يأخذ أعضاء الجمعيّة العموميّة لنقابة الخبراء المجازين على رئيس مجلسهم، موفّق اليافي، «إهماله عمداً» دعوة كانت قد أرسلتها اللجنة المنبثقة عن المجلس لدراسة موضوع تصنيف خبراء المحاسبة للقيام بمهام التدقيق الداخلي والخارجي في حسابات المؤسّسات والمرافق التابعة للدولة، وذلك بهدف تحقيق المساواة بين خبراء المحاسبة، وإلغاء المادّة 73 من القانون الرقم 326/2001 التي «حرمت الزملاء حقّهم في الاشتراك في استدراجات عروض التدقيق والإفادة من فرص العمل المتوافرة». ويطالبون بإلغاء التصنيف المعمول به حالياً لأنّه «تمييز غير مقبول».