الجليل ــ أنهار حجازيلكل البدايات نقطة، مكان ما وزمان ما تفتتح الثواني الاولى من البداية. لكن معه، كان الأمر مختلفاً. لم تكن تلك البداية، لأنها لم تجد زماناً أو مكاناً لتحدث. حدثت فقط، بدون بداية أو نهاية. كان هو، وكانت هي، وكلاهما في عمر الفتوة والشباب الاول.
هو، كأي شاب آخر، وهي كأي صبية أخرى. لا يختلفان عن غيرهما بشيء، ولا حتى بظروف لقائهما. كلاهما فلسطيني، لكنهما من قريتين مختلفتين، برغم أنهما يتحدثان باللهجة ذاتها ويسكنان جنوب فلسطين في قرى متلاصقة لولا أن جداراً يفصل بينهما.
سابقاً، قبل الجدار، كان من السهل لقاؤه. كان يأتي من قريته الواقعة في مناطق السلطة الفلسطينية خفية، وتلتقيه في أي مكان حتى ولو في الشارع. لا أحد سيعرف من هو أو ما هو بالنسبة إليها، قد يظنونه قريبها أو زميلاً لها على مقاعد الدراسة. أما أيام الامتحانات، التي توجب عليهما التركيز على الدراسة، هو في قريته وهي في قريتها طبعاً، فقد كانا يكتفيان بالتحادث عبر الهاتف. كان الأمر سهلاً وكان لديهما حلم وأمل، أن يأتي يوم لا يحتاجان فيه إلى أن يكونا بهذا البعد. أنهيا المدرسة، وبدآ يخططان للمستقبل: ماذا سيتعلمان وأين؟ ومتى سيكون الوقت المناسب لكي يتزوّجا ويكوّنا عائلة. كان الأمر يعطيهما شعوراً بالأمان، حتى إنهما اتفقا أين سيكون شهر العسل!
لم يفكرا كثيراً بردة فعل أهلهما رغم أن كلتا القريتين تخضع لسلطة مختلفة: قريته تخضع للسلطة الفلسطينية وقريتي للسلطة الاسرائيلية، فروابط الدم تجمع بين سكان القريتين، وكثيراً ما يُسمع عن زيجات بين القريتين. عادي.
ثم كانت الانتفاضة، وأصبح لقاؤهما صعباً، لكنهما بقيا على اتصال. وحتى في خضم الموت والكفاح، كان يجد الوقت للقائها. حتى بدأ بناء الجدار الفاصل، وانتشرت في الجرائد قصص تفريق العائلات «قانونياً» لأن أحد الوالدين لديه جنسية فلسطينية.
هذا القانون الذي سُنّ حفاظاً على «أمن الدولة» (بموجبه لا ينظر في قضايا لم الشمل بين العائلات التي لدى أحد الوالدين فيها جنسية فلسطينية، أو أنها تعلق إلى أمد غير محدد) مفاده أنه لو وجد في عائلة أحد الزوجين من يحمل الجنسية الفلسطينية، داخل إسرائيل، فهي تشكل خطراً على الامن! أما الحل المناسب، بحسب القانون طبعاً، فيكون بتفريقها! لهذا يُفرض على من يحمل جنسية فلسطينية أن يعود إلى مناطق السلطة الفلسطينية، تاركاً عائلته وراءه! أمر لا يصدق؟
بات من الصعب عليه أن يأتي لرؤيتها، بسبب الجدار، وبات مستحيلاً أن يوافق أهلها على زواجها به لأن هذا سيعني إمّا أن تكون معه أو مع أهلها حسب القانون الجديد! فودّعها وذهب ليجد نهايته بمواجهة من فرّق بينهما: المحتل، جداره وقانونه.