يوم الاثنين ٢٣ ايلول ٢٠١٣ خرج المحامي نزار صاغية من مبنى قصر العدل في صيدا والى جانبه نجاة حشيشو ووداد حلواني. نطق القضاء في حينها بعد انتظار دام اكثر من ٣١ عاماً ببراءة ثلاثة من المتهمين بخطف المناضل محي الدين حشيشو لعدم كفاية الادلة. كانت المواساة الوحيدة لزوجة المفقود ان صاغية وعدها بتمييز الحكم، وترك الباب مفتوحاً امام خيار المقاضاة الاستراتيجية للجهة المسؤولة عن الخطف لانها حجبت الادلة عن القضاء.
يوم السبت٢٠ أيلول ٢٠١٤، تسلّم المحامي صاغية من رئاسة مجلس الوزراء، بوكالته عن لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان ولجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد)، نسخة عن ملف التحقيقات التي أجرتها لجان التحقيق الرسمية للكشف عن مصير المفقودين. بات بامكان صاغية ان يحقق وعده لنجاة حشيشو والمئات من اهالي المفقودين باستكمال معركة البحث عن الحقيقة متسلحاً بصندوق فيه الكثير من المعطيات وبعض الاسرار التي يمكن ان تفتح ثغرة في جدار الصمت والانكار «مع ما يستتبعه ذلك من تذكر واضطراب ضميري لا بد منه للخروج من قيم الحرب».
يعرف صاغية ان الصندوق المليء بالملفات والتقارير يمثل مدخلاً مفصلياً للبدء بالمقاضاة الاستراتيجية، لكنه كان حذراً امس في «دوام اهالي المفقودين» امام السرايا الحكومية في الاعلان عن تفاصيل ما يحويه الصندوق، تاركاً جميع الخيارات مفتوحة امام لجان الاهالي لاتخاذ الخطوات اللازمة للاستفادة من مضمون ملف التحقيقات، الذي يمثل مدخلاً مهماً لاستكمال رحلة طويلة من النضال عمرها اكثر من ثلاثة عقود من أجل كشف مصير احبائهم. كيف يسهم مضمون ملف التحقيقات في ترسيخ حق المعرفة؟ وما المعلومات التي يمكن الاستفادة منها أو البناء عليها للمضي قدما في عملية البحث عن مصائر المفقودين؟ اسئلة اجاب عنها المحامي صاغية شارحاً النتائج الاولية التي أظهرها الملف حول كيفية تعاطي الحكومات المتعاقبة مع ملف ضحايا الحرب.
« من يقرأ ملفات التحقيق، سرعان ما يتبين له أن المعلومات الواردة فيها مجتزأة وقد بقيت، على أهميتها، في أحيان كثيرة معلومات خاما. بمعنى أنها بقيت في مراحل التحقيق الأولى من دون أن تقوم اللجان المتعاقبة بواجبها في التدقيق فيها سعيا للوصول الى الحقيقة». بحسب صاغية. الذي اكد أن الملف تضمن كماً كبيرا من الاستمارات التي ملأها ذوو المفقودين وأودعوا فيها كل ما يعرفونه (...) ولكن، وللأسف، بقيت تحقيقات اللجان بعد تجميع هذه المعلومات سطحية ومجتزأة. فقد اقتصرت جهودها هنا على تصنيف ملفات المفقودين وفق الجهة الخاطفة المفترضة ومدى توافر أدلة: فهل هي تنظيم أم ميليشيا لبنانية؟ أم هي جهاز تابع للجمهورية السورية؟ أم هي إسرائيل؟ بخصوص الحالة الأولى، وجهت اللجنة طلب استعلام لجميع الأجهزة الأمنية (الأمن العام، أمن الدولة، الأمن الداخلي) عما لديها من معلومات فجاءتها إجابات شبه متطابقة: «أن النتيجة سلبية» أو «أن لا معلومات لدينا»، باستثناء حالات قليلة جدا حيث أوردت الأجهزة ما قد يكون لديها من معلومات بقيت أشبه بالخبريات حول بعض الأشخاص. ويتضح أن اللجان اكتفت بهذا الحد، من دون أن تكلف خاطرها عناء مراجعة أي من الميليشيات أو التنظيمات التي نسب اليها ذوو المفقودين في استماراتهم المسؤولية في الخطف. أما في الحالة الثانية، (الأشخاص المحتمل ان يكونوا في سورية) فقد وجه رئيس اللجنة المعينة في 2001 النائب فؤاد السعد طلب الاستعلام للواء غازي كنعان مستهلا إياه: «عطفا على الحديث الذي جرى بيننا.. وبناء لطلبكم» ولا نلقى في الملف أي جواب. وفي الحالة الثالثة، وجهت اللجنة طلب الاستعلام من خلال البعثة الدولية للصليب الأحمر فجاءتها إجابات بشأن عدد من الأشخاص الذين اعترفت إسرائيل باحتجازهم لديها.
إحدى المقابر
الجماعية في جبل لبنان جرت فيها
معاينة جثث


ولكن ماذا عن الاستخبارات العسكرية؟ يؤكد صاغية في حديث لـ «الاخبار» ان لجان التحقيقات لم تطلب معلومات من الجيش اللبناني، وهذا ما يطرح تساؤلات عديدة حول استبعاد جهة امنية كان لها الدور الاكبر في الحرب الاهلية اللبنانية في توثيق جرائم الخطف التي طاولت عسكريين في الجيش، اضافة الى ان الاستخبارات العسكرية يفترض ان لديها معلومات موثقة حول مئات عمليات الخطف التي وقعت في مناطق كانت خاضعة لسيطرتها ابان الحرب الاهلية.
أما بخصوص المقابر الجماعية، فزعمت لجنة التحقيق في 2000 عثورها على مقابر جماعية عدة، ذكرت بعضها وأبقت أخرى طي الكتمان. وهنا، وباستثناء احدى المقابر الجماعية التي جرت فيها معاينة جثث، لم يتضمن التقرير المسلم الى صاغية أي إشارة الى الاسناد أو المعلومات الاستخبارية التي ارتكزت عليها اللجنة في هذا الخصوص. والأهم من ذلك، وبدل أن يؤدي استكشاف المقابر الجماعية الى اتخاذ تدابير فورية لصونها وحمايتها تمهيدا للتعرف على هوية الأشخاص الذين رميت جثثهم فيها، للسماح لأهلهم بدفنهم وفق طقوسهم وبدء الحداد عليهم، فانها عدت وجودها سببا لاغلاق الملف وانهاء القضية.
اين تقع المقبرة التي اشار اليها التقرير؟ يفضل صاغية الا يحدد بدقة مكانها، مؤكداً لـ «الاخبار» انه سيُفتح ملف هذه المقبرة على مصراعيه في القريب العاجل ومن خلال القضاء اللبناني، مكتفياً بالاشارة الى ان هذه المقبرة تضم اكثر من ٦٠ جثة، وانها تقع في احدى قرى محافظة جبل لبنان، كما اعلن صاغية انه سيودع البعثة الدولية للصليب الأحمر نسخة عن كامل الملف، اسهاما في جهوده الحثيثة لكشف مصائر المفقودين والمخفيين قسرا في لبنان.




المطالبة بالتعويض

المطالبة بالتعويض
بعد تثبيت حق اهالي المفقودين في الاطلاع على التقارير الرسمية تتطلع اللجان المعنية الى إنشاء قاعدة بيانات الحمض النووي ‪ DNA‬لأهالي الضحايا، وتأليف الهيئة الوطنية للمفقودين وضحايا الاخفاء القسري. ويحتفظ الاهالي بحقهم كاملا لجهة مطالبة الدولة بتعويضات نتيجة الإهمال، على أن تخصص مجمل هذه التعويضات بأكملها لانشاء بنك DNA ؛ اضافة الى مراجعة المراجع الأممية المختصة فضحا لهذه السياسة التي بات لدى اللجان المعنية اثبات قاطع ودامغ على اتباعها.




تقرير لجنة التحقيق الرسمية: «في حكم المتوفين»



وثائق عدّة يحتويها صندوق «ملف المخطوفين والمفقودين والمخفيين قسراً»، منها تقرير «لجنة التحقيق الرسمية» للاستقصاء عن مصيرهم، المنجز في 25 تموز 2000، وذلك بموجب القرار الرقم 10/2000، الصادر عن رئيس مجلس الوزراء (سليم الحص). في ما يلي نص التقرير:
اعتمدت اللجنة في تحقيقاتها على المعلومات المقدمة في كل استمارة، وقام ممثلو الأجهزة الأمنية في اللجنة بعمل استعلامي حول أسماء المفقودين، تناول ظروف الخطف والفقدان والجهات المسؤولة عن كل حالة، وذلك بأسلوب هادئ وسري، توخى فيه أعضاء اللجنة كافة الأساليب العملية والتقنية للتمكن من إبراز الحقائق وتحديد مصير المفقودين. قامت اللجنة بعمليات استطلاع ميداني شملت كل المناطق اللبنانية، وتوصلت الى معاينة مدافن جماعية لأشخاص مجهولي الهوية. وبنتيجة هذه المعاينة تم استخراج بعض عينات من عظام لجثث داخل المدافن. واستناداً إلى معلومات المفقودين، أفيد عن وجود 216 معتقلاً في سجون العدو الإسرائيلي (...) وبعد الاتصال برئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي فورنييه، أوضح أن السلطات الإسرائيلية اعترفت بوجود 17 معتقلاً فقط (تم تحريرهم لاحقاً). واستناداً إلى إفادات ذوي المفقودين، أحصي 168 مفقوداً، يعتقد منظمو هذه الإفادات أن هؤلاء المفقودين هم في عداد الموقوفين في سوريا (...). ولدى مراجعة السلطات المختصة، ثبت عدم وجودهم في الجمهورية العربية السورية. وحيث إنه لم يتبين وجود أي مخطوف أو مفقود على قيد الحياة على الأراضي اللبنانية، وذلك بعد التأكد من عدم وجود مخطوفين لدى جميع الأحزاب والتنظيمات التي عملت على الساحة اللبنانية حتى عام 1990. وحيث إن كل التنظيمات والميليشيات المسلحة قامت بعمليات تصفية جسدية متبادلة خلال فترة الأحداث، وقد ألقيت الجثث في أماكن مختلفة من بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب، وتم دفن البعض منها في مقابر جماعية موجودة داخل مدافن الشهداء في منطقة حرج بيروت ومدافن مار متر في الأشرفية ومدافن الإنكليز في التحويطة، كما تم إلقاء البعض منها في البحر. وحيث إنه قد تم تكليف أطباء شرعيين واختصاصيين في مضمار تحليل حامض الريبي النووي للكشف على العينات المستخرجة.
وحيث إنه تبين بنتيجة الكشف تعذر تحديد هوية أصحاب الجثث نظراً إلى طبيعتها وقدم عهدها.
وحيث إنه استنادا إلى قوانين الفقدان والأحوال الشخصية لجميع الطوائف، والتي تجمع على اعتبار في حكم المتوفى من اختفت آثاره في ظروف يغلب عليها طابع الهلاك ولم يعثر على جثته خلال أربع سنوات على الأقل. لذلك تعتبر اللجنة أن جميع المخطوفين والمفقودين الذين مر على ظروف اختفائهم مدة أربع سنوات وما فوق، ولم يعثر على جثثهم هم في حكم المتوفين، وبالتالي توصي بالإيعاز الى ذويهم بمراجعة القضاء المختص لإثبات الوفاة بصورة قانونية.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar