«استعراض الرجولة يلزمه زبيبة». هذا ما كان يقوله جورج الأزرق، مستعيناً بحبّات من العنب المجفّف للحفاظ على أناقة شاربيه لزيادة صلابة انتصابهما ولمعانهما. كان يفتلهما حتى تبدوا كحراب جيوش الروم، ويتنزّه في شوارع المصيطبة مبتسماً، مفتخراً بهيبته. زرقة عينيه منحته كنيته في دوائر النفوس منذ قبيل الحرب العالمية الثانية، وشعره الكستنائي الطويل كان يزيّن عضلات كتفيه. يمدّ إصبعه باحثاً عن بطيخة، يثقبها به بحركة واحدة، ويرفع بعد ذلك حاجباً ملتفتاً يميناً ويساراً ليتأكد من إعجاب الناس. يبحث عن فاتنة بين المارّة، يناديها مداعباً «ايش يا عمبرا؟». تكمل السيدة طريقها وكأنها لم تسمع، بينما ترتسم على وجهها ملامح سرور خفيّ. فهي تعرف، كما يعرف أبناء المصيطبة، أن القبضاي الأزرق «ما في أطيب من قلبو»، يستعرض عضلاته ممازحاً ولا يقلّل من احترام أحد. «كانت الكلمة بتساوي زلمي» يقول ممتعضاً من كثرة استسهال توجيه الشتائم بين الناس اليوم في بيروت. كان جورج «قبضاي» بكل معنى الكلمة. لم يتراجع شبراً واحداً عندما وقف مع رفاق السلاح يدافع عن بيروت بوجه الجيش الإسرائيلي الغازي عام 1982. أصرّ على رفع راية المقاومة في المصيطبة، متقدماً على إخوته المسلمين في معارك صدّ مغتصبي أرض المسيح المقدسة. ومن مستودع السلاح في سينما ياسمين، إلى مكاتب الثورة الفلسطينية في الفاكهاني، كان ينتقل بسيارة مرسيدس قديمة لقّبها بـ«سعدى» لينقل المناضلين والمؤن الغذائية والسلاح.
لكن أبرز بطولات الأزرق لم تكن في مسدسه «التسعة ستار»، بل كانت في مكان آخر: في فرن الحطب تحديداً الواقع في شارع الضناوي، حيث كان ينتظر ساعات ليجمع عشرات ربطات الخبز ويوزّعها على العائلات المنكوبة خلال الاجتياح الإسرائيلي. بطولاته كانت في العناية والحب الذي خصصه للأطفال الذين كان يحسبهم جميعاً من لحمه ودمه. يوصلهم الى المدرسة صباحاً، متشوّقاً لسماع قصصهم ورواياتهم وحتى خرافاتهم. يطلب منهم أحياناً قراءة جريدة سباق الخيل كل يوم خميس: الأول نارة! الثاني ما شاء الله! والثالث جربوعة! «له له له» ... لكنه لم يفقد الأمل بربح الجائزة الكبرى التي ستمكنه من تحقيق حلمه بالسفر الى ريو دي جانيرو. «بسيطة، المرة الجاي منصيب».
الأطفال الذين عرفوا جورج الأزرق وكبروا معه اعترفوا، أمس، بعد الصلاة عليه ودفنه أن آخر قبضايات المصيطبة لم يمت، بل رحل إلى ريو دي جانيرو.