اعتاد العالم، أن يحتفل بالنساء في يومهن العالمي الذي حلّ البارحة، وعادة ما يرتبط هذا اليوم بمجموعة من المقولات التاريخية المهمة، وشعار تطلقه الأمم المتحدة، كان هذه السنة «الاستثمار في المرأة لتسريع وتيرة التقدّم». وهذه السنة كما كل سنة، ثمة نساء في العالم، لا يُنظر إليهن بعين الاعتبار، يُهمَلن من ضمن إهمال المناطق التي ينتمين إليها. وفي حالتنا نحن العرب، في مشرق «وطننا» الكبير، هناك نساء إما يمتن تحت القصف الإسرائيلي الذي يعقّل جيش الاحتلال ويهندس كل صاروخ يطلقه نحو أهدافه المدنية في الغالب الأعظم. وإما يمتن تجويعاً، وإما يمتن قهراً على إجبارهن لترك بيوتهن، وإما أسيرات، وإما وإما... هؤلاء النساء، لسن في فلسطين فحسب، إنهن في لبنان واليمن أيضاً، وفي كل مكان تطلق باتجاهه إسرائيل وأميركا وبريطانيا وغيرها صواريخها، نحو «أهدافها». في فلسطين استشهدت منذ 7 تشرين الأول 2023، 9000 امرأة، بحسب بيان لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، والذي قال أيضاً، إنه «في المتوسط، تُقتل في غزة يومياً 63 امرأة، منهن 37 أمهات، يتركن عائلاتهن وراءهن». بدوره قال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة في بيان أصدره أمس لمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إن النساء «قُتلنَ بدم بارد»، بينما تعيش الباقيات في حالة «إذلال حقيقي» يمارسه الكيان عليهن. وأضاف البيان أنه في هذا اليوم، وبدلاً من تكريم المرأة يقتل جيش الاحتلال الفلسطينيات، «وفي الوقت ذاته يقف العالم متفرّجاً على هذه الكارثة وهذا الانتهاك الخطر ضدّ المرأة الفلسطينية من دون أن يحرّك ساكناً».
لا تقتصر الجريمة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والفلسطينيات على القتل، بل حتى على الذين لم يولدوا بعد، فقد أشار المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى وجود 60 ألف امرأة حامل يعشن «حياة قاسية وبالغة الصعوبة، يفتقرن في خلالها إلى أبسط متطلبات الرعاية الصحية والطبية»، موضحاً أن «من بينهنّ المئات اللواتي فقدنَ أبناءهنّ أو مواليدهنّ أو أجنّتهنّ في أحشائهنّ نتيجة القصف والخوف والقتل الإسرائيلي».
هؤلاء النساء الفلسطينيات في قطاع غزة، ومثلهن اللواتي في الضفة، لا يُنظر إليهن بعين الإنسانية، بل بتصنيف «أبيض» يرى فيهن أمهات أو مشاريع أمهات لأبناء وبنات جدد، ليسوا «مروّضين»، وهم مشاريع «إرهابيين». هذه النظرات التي لا تقولها ألسنة الحكومات في أميركا وبريطانيا ومعظم دول الغرب، تقولها قذائفها، ويقولها صمتها عن ربيبتها إسرائيل، التي قال أحد حاخاماتها لطلابه الذين ضمنهم جنود في الجيش: «بموجب الشريعة اليهودية يجب قتل جميع سكان غزة»، وعندما سُئل عن المسنّين والأطفال، أجاب أن «الأمر نفسه ينطبق عليهم». هذا الحاخام هو إلياهو مالي رئيس المعهد الديني التوراتي «ييشيفاة شيرات موشيه» في يافا، الذي أضاف في مؤتمر عقده أن «القانون الأساسي في حرب دينية، وفي هذه الحالة في غزة، هو أنه "لا تُبقوا أحداً مِنها حيًّا" (سفر التثنية في التوراة)، وإذا لم تقتلهم؟ هم سيقتلونك. ومخربو اليوم هم الأطفال في العملية العسكرية السابقة الذين أبقيتهم على قيد الحياة. والنساء هن عملياً أولئك اللواتي ينتجن المخربين».
ما قاله الحاخام -وبعيداً عن الشأن الديني وفكرة أن الحرب دينية- هو ما مارسته وتمارسه إسرائيل منذ أن أُوجدت. وبالعودة إلى مناسبة هذه المادة، فإن النساء الفلسطينيات واللبنانيات واليمنيات وغيرهن في المنطقة، بقدر ما هن ضحايا لإسرائيل، ولبعض مجتمعهن، بقدر ما هنّ قويات وصابرات وصامدات ومربّيات وجميلات ومدهشات.