يأتي يوم الأسير الفلسطيني (17 نيسان) هذا العام ممزوجاً بآلام لا تحصى، ففي هذا اليوم الذي يُعلي فيه الفلسطينيون صوتهم نصرة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، تستمر آلة القتل الصهيونية في ارتكاب المجازر في أنحاء فلسطين كافة، وفي سجونها التي هي مكان للموت والتعذيب. منذ بداية معركة «طوفان الأقصى»، لجأ العدو الصهيوني كعادته إلى اعتقال آلاف الفلسطينيين في محاولة منه لتصدير صورة «نصر» غير موجودة، محاولاً منع الفلسطينيين من مقاومة الاستعمار، حتى بأبسط الوسائل، مثل إبداء التضامن مع المقاومة، وفعل أي مظهر جمعي مناهض.
وتشير إحصائيات هيئة شؤون الأسرى والمحررين إلى اعتقال ما يزيد عن 8200 فلسطيني/ة من الضفة الغربية، إضافة إلى عدد غير معلوم من سكان قطاع غزة الذين تم اعتقالهم داخل القطاع أو في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، وغيرهم العشرات ممن لجأوا إلى مدن ومناطق الضفة، ويعتقلون دورياً منذ بدء «الطوفان». كما وتشير شهادات الأسرى وتقارير مؤسسات الأسرى الفلسطينية إلى الأوضاع المأسوية داخل السجون، والتي تشمل الاعتداء اليومي على الأسرى/الأسيرات وإخضاعهم/ن لأساليب تعذيب متعددة، فضلاً عن عزلهم/ن عن العالم الخارجي، ومنعهم/ن من الخروج لـ «الفورة»، والمنع المستمر لزيارات الأهالي منذ بداية معركة «طوفان الأقصى». كما تمنع مصلحة السجون الصهيونية الأسرى الفلسطينيين من تلقي العلاج والخروج للعيادات والمستشفيات. كما تنتهج سياسة تجويع ممنهجة عبر تقديم كميات محدودة ووجبات غير مطهوة من الطعام. فضلاً عن ذلك كله، وردت تقارير مسربة بإجراء عمليات بتر لأطراف أسرى القطاع الذين تضررت أطرافهم بسبب التقييد المستمر والمحبوك على مدار أشهر، ما يزيد شناعة الصورة الواردة من داخل السجون.
وفي ظل هذه الظروف التي يماثلها الأسرى بواقع السجون عام 1967، وفي تجارب التحقيق العسكري، تتوالى الأخبار والشهادات المؤلمة حول ظروف الاعتقال واستشهاد الأسرى واحتجاز جثامينهم ضمن سياسة الاستعمار القديمة في احتجاز جثامين المقاومين.
منذ بداية «طوفان الأقصى»، استشهد ما لا يقل عن 15 أسيراً فلسطينياً داخل سجون العدو الصهيوني، من ضمنهم الأسير المناضل والمفكر وليد دقة، الذي استشهد بعد 38 عاماً في الأسر، بعد أن تعرّض لإهمال طبي ممنهج، واعتداءات مستمرة، ورفض دائم لإطلاق سراحه رغم وضعه الصحي الصعب. وكغيره من الأسرى الشهداء أمثال الشيخ خضر عدنان والمناضل ناصر أبو حميد، قُتل وليد داخل أسره بفعل سياسات مصلحة السجون المستمرة في الاعتداء على الأسرى وتجريدهم من حقوقهم. هذا وقد أشارت تقارير أخرى إلى استشهاد ما لا يقلّ عن 27 أسيراً في معسكرات سرية خُصّصت لأسرى قطاع غزة، ولم تعرف حتى اللحظة ظروف استشهادهم أو أي معلومات حولهم.
تستمرّ الاعتقالات اليومية في سائر أنحاء فلسطين كجزء من سعي الاستعمار الدائم إلى محو الوجود الفلسطيني، ومحو أي فعل مقاوم رافض للوجود الاستعماري. ولكن في الوقت ذاته، وكما تذكّرنا فعاليات إحياء يوم الأسير الفلسطيني، فإنّ الاعتقال لا يشير فقط إلى توحّش المستعمِر، بل إلى تاريخ طويل من النضال داخل المنظومة السجنيّة الصهيونية وخارجها، استطاع خلاله الفلسطينيون انتزاع حقوقهم وإجبار السجّان على الخضوع لمطالبهم وصولاً إلى إجبار السجّان على إطلاق سراح الأسرى عنوةً، رغم الأثمان الكبيرة التي دفعوها في مراحل مختلفة.
يأتي يوم الأسير هذا العام والأنظار موجّهة نحو قطاع غزة والمجازر المستمرة فيه، ونحو السجون التي تُمارس فيها شتى وسائل العنف والتعذيب. وفي هذا الملف الخاص نستذكر نضالات الشهداء والأسرى الفلسطينيين في سعينا المستمر إلى كسر القيد وتحرير الأرض والإنسان، ومحاولة لمجابهة صهر الوعي الذي يمارسه علينا الاستعمار، وفاء لفكر وليد وكل الأسرى والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء للقضية وللحرية.
يحتوي هذا الملف المنشور في يوم الأسير على مواد تتناول جوانب مختلفة من تجربة الأسر في السياق الفلسطيني، تشمل التجربة الشخصية والمجتمعية والبحث عن معاني الاعتقال وسِيَرِه في السياق الفلسطيني، خاصة في ظل حرب الإبادة المستمرة في فلسطين المحتلة.
الحرية كل الحرية لأسرى فلسطين.

* أستاذ في جامعة بيرزيت وباحث في شؤون الأسرى