أعادت حادثة أتلانتا قضية جرائم الكراهية ضد الآسيويين في الولايات المتحدة إلى الواجهة بقوة. الجريمة قضى خلالها ثمانية أشخاص، من بينهم ستّ نساء من أصول آسيوية، بعد أن عمد رجل إلى إطلاق النار عليهم، الثلاثاء، في ثلاثة منتجعات صحية في المدينة. ولم يهدّئ إصدار الحكم على القاتل، أمس، بثمانية جرائم قتل من غضب قادة المجتمع الآسيوي-الأميركي والناشطين المناهضين للعنصرية، الذين يطالبون اليوم بالقيام بالتشريعات والإصلاحات الضرورية أكثر من أي وقت مضى.
وفيما زعم القاتل خلال التحقيق أنّه يعاني من «إدمان جنسي» قام بتفريغه عبر الجريمة التي استهدفت، بشكل خاص، النساء في المنتجع، إذ ستة من بين الأشخاص الثمانية هنّ من النساء، أكدت عمدة أتلانتا، كيشا لانس بوتومز، أنه «بغض النظر عن دوافع الرجل، ما نعرفه هو أنّ غالبية الضحايا هنّ من أصول آسيوية. وما نعرفه أيضاً أنّ مثل هذه الجرائم تحدث في جميع أنحاء البلاد، وهي مليئة بالكراهية ويجب أن تتوقف».

وإثر هذه الجريمة، أقامت، الأربعاء، مجتمعات متنوعة، في واشنطن وكاليفورنيا ونيويورك، وقفات احتجاجية، أمام مكان الجريمة، مع لافتات منددة بالعنصرية التي تمارَس بحقّ الأشخاص ذوي الأصول الآسيوية، فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن: «أعلم أنّ الآسيويين-الأميركيين قلقون جداً. كنت أتحدث عن الوحشية الممارَسة بحقهم خلال الشهرين الماضيين، وأعتقد بدوري أنه أمر مقلق جداً».

بديل المباحث الفيديرالية!
تعالت أصوات قادة المجتمعات الآسيوية-الأميركية بعد الحادثة مباشرة، منددة بشكل خاص بالتلاعب بأعداد حالات الجرائم والعنصرية التي تطال مجتمعاتهم والاستخفاف بها، لا سيما من جهة وكالات إنفاذ القانون الاتحادية والمحلية، التي لا تقدّم «أرقاماً موثوقاً بها». ففي الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن مكتب المباحث الفيديرالية، عام 2019، قُدّر عدد الضحايا الذين قضوا في جرائم عنصرية بنحو 4 آلاف و930 ضحية، 4.4% منهم من أصول آسيوية.

غير أنّ هذه المجتمعات والمشرّعين والمحامين المهتمين بالقضية لا يثقون بمثل هذه الأرقام، وقد جاء الاعتراف أخيراً من جهة العميل السرّي السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي عمل في مسألة الجماعات المتطرفة البيضاء، مايكل جيرمان، الذي أكد أنّ «لا صورة واضحة عن جرائم الكراهية لدينا. يمكن لمكتب التحقيقات الفيديرالية أن يخبرك بعدد حالات السطو على المصارف التي حصلت خلال السنة، إنما ليس عدد الجرائم التي ارتُكبت على أساس عنصري». يشار إلى أنّ جيرمان كان عضواً في المكتب منذ التسعينيات. ولملء هذا الفراغ، تحاول المجموعات الآسيوية جمع البيانات بنفسها، إذ قامت إحداها، عشية عملية القتل، بجمع 3 آلاف و795 حالة تحرش لفظي أو جسدي وحالات التمييز في مكان العمل وغيرها من الممارسات العنصرية التي طالت الآسيويين في فترة الوباء فقط، مؤكدة أنها جزء صغر من التمييز الممارَس بحق هذه الفئة من المجتمع.

محاولات على الصعيد التشريعي
وتوجّه، اليوم، بايدن ونائبته كامالا هاريس إلى ولاية جورجيا، في زيارة كانت مخصصة لإقامة حشد داعم للحزمة التحفيزية بقيمة 1.9 تريليون دولار والتي نجح الرئيس بتمريرها أخيراً، إلا أنّهما أصبحا سيلتقيان، بدلاً من ذلك، قادة المجتمعات الآسيوية.

وفي وقت سابق، كان هنالك جلسة استماع مقررة الخميس، تعقدها لجنة القضاء التابعة لمجلس النواب، تضمّ مشرّعين وناشطين ومحامين داعمين للحركة المناهضة للعنصرية ضدّ الآسيويين، طغت عليها، بسبب وقوع الحادثة المفاجئة، الانتقادات الموجهة إلى الجمهوريين وعلى رأسهم الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي ساهم برأيهم في زيادة العنصرية تجاه الآسيويين لا سيّما مع ظهور وباء «كورونا».

كذلك، تأتي هذه الجريمة في الوقت الذي تُبذل فيه محاولات تشريعية عدة من أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب ومن محامين للحد من هذه الجرائم. وقد ازداد هؤلاء إلحاحاً على تطبيقها بعد عملية القتل. ومن هذه التشريعات، قانون اقترحه النائب الديموقراطي غرايس مينغ، وعضو مجلس الشيوخ مازي هيرونو، والذي يقضي بتعيين مسؤول في وزارة العدل للقيام باستعراض لجرائم الكراهية وتقديم إرشادات لإنفاذ قانون محلي حول الإبلاغ الدقيق عن جرائم الكراهية، لا سيما المرتبطة بوباء «كورونا». كذلك، هنالك مشروع قانون آخر مقترح، يعمل على إحداث تغييرات في الطريقة التي يبلّغ فيها عن جرائم الكراهية في الولايات المتحدة. أمّا المحامون، فيصرّون على اتخاذ إجراءات لإحداث نقلة ثقافية في المجتمع الأميركي، ووضع حدّ لأي خطابات شبيهة بخطابات ترامب العنصرية التي انتشرت في فترة الوباء.