في محاولة جديدة لعزلهم عن ذاتهم، قد يجد الفلسطينيون الذين ولدوا في غزة ويسكنون الضفة أنفسهم متّهمين بـ«التسلل» ويجب طردهم أو سجنهم وفقاً لأحدث الأوامر العسكرية الإسرائيلية
فراس خطيب
يحاول الجانب الإسرائيلي في الآونة الأخيرة منح العالم صورة وردية عن احتلاله للضفة الغربية، في محاولة منه لـ «إحياء عميلة السلام» التي لم يعرفها الشعب الفلسطيني. فبعد الجدار والحصار وفصل الضفة الغربية عن القدس المحتلة وبناء المستوطنات، وصل الأمر إلى عزل الفلسطينيين عن أنفسهم في الضفة الغربية المحتلة واعتبار القاطن في وطنه «متسلّلاً» إليه.
وجديد الإجراءات الإسرائيلية أتى مع إصدار قرار عسكري، يدخل حيّز التنفيذ غداً، ويقضي بطرد عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية.
وذكرت صحيفة «هآرتس»، التي كشفت الموضوع، أنَّ الأمر الجديد يعرّف عشرات آلاف الفلسطينين بأنّهم «متسلّلون» و«خارجون عن القانون».
ونوّهت الصحيفة إلى أنه بالاستناد إلى نشاطات سلطات الأمن الإسرائيلية وقراراتها خلال السنوات العشر الأخيرة، فإنّ بالإمكان الاستنتاج أنَّ المجموعة الأولى من الفلسطينيّين الذين سيوجّه إليهم الأمر العسكري هم أولئك المسجّل في بطاقات هوياتهم أنّ مكان إقامتهم هو قطاع غزة، أي مواليد غزة أو أبناؤهم الذين ولدوا في الضفة. كذلك سيكون ضمن المجموعة الأولى الفلسطينيون الذين ولدوا في الضفة أو خارج البلاد، ولسبب ما فقدوا مكانتهم في المواطنة، أو هم أزواج أجانب لفلسطينيّين.
ويعرّف الأمر الجديد «المتسلّل» بأنه كل من دخل إلى الضفة بطريقة غير قانونية أو «من يقيم في المنطقة من دون أن يمتلك تصريحاً قانونياً».
ويُعدّ مضمون الأمر العسكري فضفاضاًَ إذا ما قورن بما جاء في الأمر الأصلي الذي صدر عام 1969، وكان يسري على من قدم إلى الضفة الغربية المحتلة، بعد إقامته في دولة «عدوّة».
ولفتت «هآرتس» إلى أن مضمون الأمر غير واضح وعامّ. ويتبيّن منه أنّ تعريف «المتسلل» يشمل الفلسطينيين من القدس الشرقية، وبينهم مواطنو دول تقيم إسرائيل معها علاقات دبلوماسية مثل الولايات المتحدة، وحتى مواطنين إسرائيليين «فلسطينيين أو يهوداً»، وذلك بحسب قرارات ضبّاط الجيش الإسرائيلي. ولفتت «هآرتس» إلى أنه خلافاً لقوانين الكنيست، فإنَّ إعداد الأوامر العسكرية يجري في الغرف المغلقة التابعة للمنظومة العسكرية، وحتى لدى نشرها تُخفى تفاصيل كثيرة منها من دون لفت الأنظار إليها.
وكان مركز «الدفاع عن الفرد» المنظمة الأولى التي انتبهت إلى خطورة الأمر العسكري. وبعثت مديرة المركز، داليا كيرشطاين، رسالة إلى قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، أفي مزراحي، طالبته فيها بوقف تنفيذه نظراً «للتغيير الدراماتيكي المتعلق بحقوق الإنسان حيال عدد كبير من البشر». وجاء في الأمر العسكري أن «الشخص المتسلل هو الموجود في المنطقة من دون شهادة أو تصريح يدلّان على وجوده في المنطقة بصورة قانونية ومن دون مبرر معقول».
وأوضحت «هآرتس» أن الأمر العسكري لا يوضح ما إذا كان الحديث يدور عن تصاريح قائمة أو عن أنواع تصاريح جديدة للمكوث في الضفة سيُقرر بشأنها في المستقبل. كذلك لم يوضح الأمر العسكري مكانة بطاقة هوية سكان الضفة.
ووفقاً للأمر العسكري، فإنه إذا اكتشف قائد عسكري إسرائيلي أن «المتسلّل دخل إلى المنطقة في الفترة الأخيرة»، فإن إجراءات طرده ستكون سريعة للغاية، خلال أقل من ثلاثة أيام، بشرط أن «يُطرَد المتسلل إلى الدولة أو المنطقة التي تسلّل منها».
ومنذ عام 2000 ترى إسرائيل أن الفلسطينيّين من غزة الموجودين في الضفة «موجودون غير قانونيين» ويعاملون كأنهم مواطنون من دولة أجنبية، ويُطرد الكثيرون منهم إلى قطاع غزّة حتى لو ولدوا في الضفة. إضافةً إلى ذلك، فإنّ دخول الفلسطينيين من الضفة إلى المناطق المحاذية للجدار العازل يستوجب استصدار تصاريح خاصة وذلك بموجب أوامر عسكرية إسرائيلية.
ودان كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، ما وصفه بـ«قرار التطهير العرقي الإسرائيلي بإبعاد عشرات آلاف الفلسطينيين الذين قالت إسرائيل إنهم يعيشون في الضفة الغربية المحتلة من دون تصاريح عمل». وأكّد أن القرار الإسرائيلي «ينطوي على تطهير عرقي لأبناء القدس وغزة الذي يعيشون في الضفة»، موضحاً أن الأمر العسكري الإسرائيلي الجديد «يهدف إلى تدمير كل جهد دولي لإحياء عملية السلام».