أقل من صفر
حنين يا خيتا كيفكم؟ وكيف أحوالكم بمخيمات الأردن؟ إحنا أحوالنا صارت عال العال. عال لدرجة لا تصدق. فلقد أدركت فصائلنا المسلحة، وأنت تعلمين كثرتها والحمد لله، أن فلسطين لا تحتاج لأيديولوجية كي تتحرر. فقد اقتنعوا أخيراً ولا أعرف كيف، بأن فلسطين هي الأيديولوجية. فتوحدت هذه الفصائل وباتت نسبة الانقسام لدينا أقل من صفر. ووكالة الأونروا؟ أخيراً فهمت أن المشكلة الرئيسية في المدارس التابعة لها، هي تدريسها طلاب فلسطين منهجاً دراسياً يبتعد عن فلسطين، بعد المستعمر الأبيض عن الأخلاق والعدالة. هكذا، عدّلت منهجها، وبات تدريس قصص غسان كنفاني وإميل حبيبي وأشعار محمود درويش وفدوى طوقان وتوفيق زياد وسيرة إدوارد سعيد، هي الأساس، فانهمك الأطفال بشغف بالدراسة، وسجلوا أعلى نسبة حضور منذ سنوات في صفوفهم، حتى وصلت نسبة التسرب من المدارس إلى أقل من صفر. أما مؤسسة صامد؟ فعادت إلى العمل، فافتتحت معامل وورشاً ومصانع حلويات وأفراناً تستوعب الكثير من الأيدي العاملة المتبطلة، ما أمن فرص عمل مثالية وباتت نسبة البطالة لدينا أقل من صفر.
وأخيراً ــــ هيدي مش رح تصدقيها ــــ اتخذت الجمعيات الأهلية الفلسطينية موقفاً حاسماً من المتبرعين والمتمولين. فبدل أن تلهث خلف ما يقرره من لا معرفة لديه بما نحتاج، فرضوا على كل أولئك الأجانب وقف مؤتمراتهم عن كيفية إدارة المخيمات، وهي مؤتمرات لا يستفيد منها سوى الصحافي بمقالة، أو صاحب الفندق بأجرة، أو المطعم الذي يحضّر وجبة الغداء. فاستبدلت هذه المؤتمرات بتركيب أجهزة حفظ للطاقة الشمسية. وعلى الرغم من مشكلة الكهرباء في لبنان، فإن غيابها عن المخيم صار أقل من صفر. ماذا عن الزينكو؟ صار مجرد تذكار نعلقه في المنازل على شكل مفتاح حق العودة. فقد سمح لنا بإدخال مواد البناء، وباتت نسبة المشغولين بترقيع الزينكو عن التفكير بفلسطين أقل من صفر. ماذا عن التصاريح؟ «ملعون أبو أبوها»: لقد ألغيت، وبات إدخال أثاث المنازل إلى عين الحلوة، والأطفال إلى نهر البارد أمراً عادياً، ومحاولات إذلالنا على مداخل المخيمات صارت أقل من صفر. «من حقنا نحكي» كان عنوان الحملة التي طالبت بحق فلسطينيي لبنان في تمثيل أنفسهم، حيث أجريت انتخابات لمجالس تمثيلية شهد لها القاصي والداني بنزاهتها. وصارت نسبة تهميشنا أقل من صفر. هتافات خلي «السلاح صاحي» التي ترتفع من حناجر شباب المخيم مع بزوغ الفجر هي ما نستيقظ عليه كل صباح. حيث أدرك الجميع عبثية المفاوضات. وصارت درجة الهبل لدينا أقل من صفر. يبقى يا صغيرتي أن أخبرك، للأسف، أن كل ما ورد في النص أعلاه يملك مصداقية أقل من صفر.
شاتيلا ـــــ علاء العلي

■ ■ ■

أربعون فوق الصفر

خيا.. أذهلتني! سمعت أن أحوال المخيمات آخذة بالتحسن، لكني لم أتوقع أبداً أن تصل لهذا الحد! أرأيت؟ «ياما مشيت بمسيرات وهتفت حتى انبح صوتي وانهميت»، ثم تحدث كل هذه التغيرات الجذرية وأنا رهينة فراش المرض؟ لو علمت أنه بغيابي ستنتهي الكثير من آلامنا لمرضت منذ أيقنت معنى أن أكون فلسطينية!
من الطبيعي أن تحل مشاكل المخيم على هذه الصورة، فبعد رفض آخر قمة عربية الاعتراف بإسرائيل، أوقفت جميع الدول العربية خطوط الاستيراد والتصدير والتعاملات التجارية معها، وصار من الطبيعي أن تفتح في المخيمات المعامل وأن يجد العاطلون من العمل فرصاً للشغل. وكان من الطبيعي إغلاق السفارات الإسرائيلية في دول عربية، وتحويل مبانيها إلى مقار دراسة شؤون الفلسطينيين. أترى كيف نقترب من فلسطين بعدما صار حق العودة مقدساً؟ أما ما أذهلني فعلاً ففتح معابر غزة ــــ مصر على مصارعيها، ونحن أيضاً لم نعد بحاجة لتصريح لنزور فلسطين، فما عليك إلا التوجه إلى مجمع العبدلي، لتجد بجانبه سائقين ينادون «عمان ــــ القدس»! بالمناسبة ماذا حلّ عندكم بالمتاجر المدرجة ضمن قائمة المطبعين؟ بالنسبة لنا؟ أقفلت جميعها! أصحيح أننا سنشتاق لأيام المسيرات والاعتصامات؟ فقضيتنا أصبحت شبه محلولة. لا تظاهرات ولا هروات تنهال على أجساد المتظاهرين. أتدري؟ قد نشتاق للغاز المسيل للدموع. يقولون إن إسرائيل لن تقوم بأيّ هجمة جديدة على غزة أو غيرها، فقد برد رصاص جنود الاحتلال في بنادقهم. كما أُخبرت أن الصلاة في الأقصى أصبحت مسموحة للكل ومن كل الأعمار. في النهاية اعذر أي خطأ في رسالتي، فدرجة حرارتي أربعون، فوق الصفر نعم!
عمّان ـــــ حنين عطا الله