كارتيل الذهب الأسود يحافظ على «دجاجته التي تبيض ذهباً»محمد وهبة
تسيطر ثلاث شركات على صناعة الترابة أو الإسمنت في لبنان، وتتقاسم السوق محددة مستويات الأسعار، بما يمثّل «كارتيل» يتحكّم بسعر المبيع في السوق المحليّة، من دون أي منافسة، علماً بأن هذه الشركات بحمايات سياسية، نظراً إلى وجود تداخل بين ملكيتها وأصحاب النفوذ في السلطة.

منع الاستيراد

في عام 1993 منعت الحكومة استيراد الإسمنت من الأسواق الخارجيّة، بذريعة حماية استثمارات مصانع الإسمنت في لبنان لزيادة قدراتها الإنتاجية، إلا أن التجربة أوصلت إلى تحكّم هذه القلّة بالسوق ومستويات الأسعار فيها، إذ بدأ مسلسل زيادة سعر طن الإسمنت زيادة متكرّرة ومن دون أي أسباب مقنعة. ويقول عاملون في مجال التعهدات والهندسة إنه بنتيجة هذه القدرة اللامتناهية في التحكم بالسوق، ارتفعت الأسعار بفارق لا يقل عن 15 دولاراً للطن الواحد عن أسعار السلعة نفسها المنتجة في بعض الدول المحيطة، ويعتبر هؤلاء أن قرار منع الاستيراد من دون ضمان المنافسة وفرض الرقابة على الأسعار، جاء ليحمي المصالح الخاصة لبعض أركان الطبقة السياسية، فالمعروف أن في لبنان الآن ثلاث شركات محليّة تُنتج الترابة، وهي شركات مملوكة، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، من مرجعيات سياسية أو دينية أو محميّة من زعماء سياسيين، وهذه الشركات هي: «هولسيم»، «الترابة الوطنية (ترابة السبع)»، «ترابة سبلين».
وبنتيجة قرار منع الاستيراد، استفادت الشركات الثلاث من ورشة الإعمار التي انطلقت في عام 1992، بعد الحرب التي استمرت 17 عاماً، متنقّلة من منطقة إلى أخرى، وخصّصت الحكومات المتعاقبة مليارات الدولارات لإنجاز هذه الورشة، وهذا ما ساهم في نشوء فورة بناء، فارتفع استهلاك هذه المادة بين 1992 و1995 بنسبة 119%، من 1.6 مليون طن إلى 3.5 ملايين طن، ومع ظهور النتائج السلبية لمشروع الإعمار، انخفض الاستهلاك في عام 1996 إلى 2.6 مليون طن.

تحكّم بالأسعار

قبل عام 1993، كانت تلبية الطلب على الإسمنت عبر الإنتاج المحلّي من 4 مصانع والاستيراد معاً، علماً بأن معمل سبلين لم يُشغّل إلا في نهاية عام 1986 حين حصل على تمويل بقيمة 15 مليون دولار.
وباتت السوق المحليّة محتكرة، ولم يعد أمام الشركات الثلاث المذكورة إلا التوسّع لتلبية الطلب المتزايد، على أن يكون الأمر بوتيرة تحافظ على «عطش» السوق الذي يمكّنها من زيادة الأسعار كل فترة ويضمن لها أرباحاً سنوية هائلة. وبحسب دراسة «الدوليّة للمعلومات» فقد عَمَدَت هذه الشركات إلى زيادة قدرتها الإنتاجية وموّلت هذا الأمر بقروض أجنبية، فاستدانت «هولسيم» من مؤسسات سويسرية، و«سبلين» من مؤسسات برتغالية، واستحصلت «الترابة الوطنية» على «قرض ميسّر».
سعر طن الترابة يبلغ اليوم في تركيا 55 دولاراً
وبدأت نتائج الاحتكار والتوسّع تظهر تباعاً، فعلى الرغم من الركود الذي طرأ في عام 1996، ارتفع حجم الإنتاج المحلّي للشركات الثلاث إلى نحو 3.1 ملايين طن ترابة في عام 2005، وارتفع سعر طن الترابة في أواخر التسعينيات إلى 68 دولاراً، «ولم ينخفض إلا لمدة أسبوع واحد بقيمة تراوحت بين 20 دولاراً و15 دولاراً للطن الواحد»، بحسب قول تاجر نصف الجملة، أحمد تمساح، إذ كانت هناك شركة رابعة «سمنت» تتنافس مع الباقين، قبل أن تُفلس وتُغلق.
وعلى أثر حرب تموز 2006 والتدمير الذي أصاب الضاحية الجنوبية والجنوب، وما تلاها من حرب وتدمير في مخيم نهر البارد، بدأت الشركات المحتكرة ترى في إعادة الإعمار فرصة لتحقيق الأرباح في ظل منع استيراد الإسمنت، فطالبت بزيادة السعر وتمكنت من انتزاع 8 دولارات للطن الواحد، وبلغ السعر في نهاية 2006 نحو 71.4 دولاراً بحسب مؤشر نقابة المقاولين، لكنه لم يتوقف عن الزيادة، فقد ارتفع في مطلع عام 2008 إلى 82.5 دولاراً ثم بلغ في نهاية 2008 نحو 96.8 دولارا، ولا يزال السعر مستقراً عند هذا المستوى حتى اليوم، على الرغم من تراجعه في الأسواق العالمية والإقليمية بوتيرة دراماتيكية.
وترافق هذا الأمر مع زيادة القدرة الإنتاجية للكارتيل، فقد بلغت القدرة الإنتاجية الإجمالية في نهاية عام 2008 نحو 5.5 ملايين طن، يستهلك منه في لبنان نحو 4.25 ملايين طن، فيما بلغ حجم الصادرات 1.256 مليون طن، بحسب إحصاءات الجمارك اللبنانية.

أرباح محلية وصادرات

يثار بين المقاولين والمتعهدين السؤال الآتي: لماذا لا تزال السوق مغلقة أمام الاستيراد في ظل الاحتكار الذي تمارسه الشركات والتحكم بالأسعار، علماً بأن الاكتفاء الذاتي في السوق محقّق وأن الشركات باتت تصدر إلى أسواق جديدة مثل سوريا والعراق؟
يجيب بعض هؤلاء بأن سعر طن الترابة يبلغ اليوم في تركيا 55 دولاراً (على أرض المصنع) ويبلغ سعره على ظهر الباخرة (أي مع كلفة النقل والرسوم وغيرها) 62 دولاراً، فيما سعر طن الترابة السوداء المستوردة لمصر يبلغ 80 دولاراً... وبالتالي فإن الأسعار في لبنان أعلى بأكثر من 15 دولاراً للطن الواحد ويصل إلى 34 دولاراً، أي إن فتح باب الاستيراد في هذه الحالة ستكون له تأثيرات كبيرة على سوق المقاولات والإنشاءات التي يمولها القطاع الخاص أو الدولة أو أي جهات أخرى.

ماذا عن الضريبة؟

غير أن معنيين بالموضوع، يقولون إن الشركات تفضّل التصدير إلى الخارج لأنه يعفيها من ضريبة المبيعات ويمكنها من استرداد ضريبة القيمة المضافة، (10%)، إلا أن مصادر المقاولين والمتعهدين تشير إلى أن الفارق في السعر يذهب إلى أصحاب الغطاء السياسي الذين يسهّلون ويجعلون الاحتكار قابلاً للحياة، لذلك لم تُترك الشركات تتحكم بالسوق الشرعية بل بالسوق السوداء وبسوق التهريب أيضاً، ولا سيما في ظل الطلب المتزايد في سوريا والعراق على هذه السلعة.


172.3 مليار ليرة

هي قيمة صادرات الإسمنت في عام 2008، بزيادة نسبتها 53.2% عن عام 2007 حين كانت قيمة الصادرات 112.5 مليار ليرة، علماً بأنه في 2008 صُدّر 1.26 مليون طن إسمنت مقابل 903.4 أطنان في 2007


صادرات إلى 6 دول