الحركة الشعبية تلوّح بانهيار السلام... والمهدي يقارع البشيرجمانة فرحات
يتخبط السودان في حال من التجاذبات السياسية والأمنية المتعددة الاتجاهات، تبدأ بالخلافات بين شريكي الحكم ولا تنتهي بالاقتتال القبلي في الجنوب والتوتر الذي يرفض أن يخفت في إقليم دارفور.
وسط هذه التجاذبات، ومع بقاء 5 أشهر على موعد الانتخابات، حذّرت الحركة الشعبية لتحرير السودان من انهيار اتفاق السلام خلال الأسابيع المقبلة، في حال عدم إقرار البرلمان، الذي تنتهي ولايته نهاية الشهر الحالي، القوانين الممهدة للتحول الديموقراطي، وفي طليعتها قانونا الأمن والنقابات، إضافة إلى قوانين المشورة الشعبية والاستفتاء بشأن أبيي واستقلال الجنوب.
قوانين خمسة تمثّل جوهر الخلاف بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بزعامة الرئيس السوداني عمر البشير، ومعارضيه. خلاف دفع المعارضة، بمشاركة الحركة الشعبية الشريك الثاني للحكم، للخروج إلى الشارع أمس في مسيرة تهدف إلى مطالبة البرلمان بإقرار القوانين. خروج لم تألُ السلطات السودانية جهداً لمحاصرته ومنعه وإفشاله، بعدما أبدى الحزب الحاكم منذ البداية إصراراً على رفض الاحتكام للشارع، ووضعت قياداته الخطوة في إطار تنفيذ بنود سرية وضعها ملتقى جوبا للأحزاب السودانية ومحاولة عرقلة الانتخابات المقبلة. وعمدت السلطات إلى إعطاء المواطنين عطلة قسرية في ولاية الخرطوم، كان الهدف المعلن من ورائها السماح لهم بتسجيل أسمائهم للانتخابات في اليوم الأخير من الحملة، فيما هدفها غير المعلن «التحسُّب لحدوث أعمال شغب وتخريب»، وفقاً لما أكدته مصادر سودانية.
ولم تكد قيادات التظاهرة، التي كان في طليعتها مسؤولو الحركة الشعبية، تصل أمام البرلمان في ضاحية أم درمان، حتى حاصرهم عناصر الأمن واعتقلوهم، وفي مقدمتهم الأمين العام للحركة باقان أموم ورئيس كتلتها البرلمانية ياسر عرمان، إضافة إلى عباس جمعة الذي يشغل منصب وزير دولة في وزارة الداخلية، قبل أن يعودوا لإطلاق سراحهم.
إلا أن الرد سرعان ما جاء من جنوب السودان، معقل الحركة، إحراقاً لمكاتب الحزب المؤتمر الوطني، وتحديداً في رمبيك، عاصمة ولاية البحيرات وواو، عاصمة ولاية غرب بحر الغزال.
وفي خضم هذا التصعيد المتبادل، تكتسي تظاهرة يوم أمس أهميتها انطلاقاً من الإجماع شبه التام الذي تحقق بمطالبة المعارضة للمرة الأولى منذ سنوات بالخروج إلى الشارع احتجاجاً على الأزمة السياسية التي تعانيها البلاد.
كذلك فإن التظاهرة تزامنت مع تسريبات تتحدث عن توجه أحزاب ملتقى جوبا إلى اختيار رئيس حزب الأمة السوداني، الصادق المهدي، ليكون منافساً للبشير في الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان العام المقبل. وهي خطوة إن صدقت، فمن شأنها أن تحدث تحولاً في المشهد السياسي، سيهدد بالتأكيد سيطرة الحزب الحاكم الذي يتربع على عرش السلطة منذ انقلاب 1989.
كذلك فإن ما يُشاع عن إحجام رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، سيلفا كير ميارديت، عن الترشح في وجه البشير لا يمكن فصله عن رغبة الحركة بانفصال الشمال والجنوب، وخصوصاً أن هذه الخطوة ستضمن له في الوقت نفسه المحافظة على منصبه رئيساً لحكومة جنوب السودان، ونائباً لرئيس البلاد.
في المقابل، تبدو التظاهرة في نظر الكثيرين خطوة إلى الأمام انتهجتها المعارضة لتغطية عجزها عن الوفاء بتعهدها عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، تنفيذاً لمقررات مؤتمر جوبا، بعد الاتفاق على الثلاثين من شهر تشرين الثاني الماضي ليكون موعداً نهائياً تُقَرّ فيه قوانين الأمن الوطني والنقابات أو تعلن مقاطعة الانتخابات.
وتتحمل الحركة الشعبية جزءاً من المسؤولية عن التطورات التي يشهدها السودان، وخصوصاً في ظل الخطوات التصعيدية التي تتخذها منذ مدة، وفي مقدمتها مقاطعتها لأعمال البرلمان في الوقت الذي تخرج فيه إلى الشارع مطالبة البرلمان نفسه بإقرار القوانين، وهو ما دفع البعض إلى اعتبار أن المشهد السياسي في السودان يتقاسم البطولة فيه شريكا الحكم مع مجموعة من أصحاب الأدوار الثانوية التي التقاها البشير على نحو لافت أول من أمس. فقد اجتمع الرئيس السوداني قبل ساعات من التظاهرة مع رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي محمد عثمان الميرغني ورئيس حزب الأمة، وتباحث معهما في الأوضاع السودانية، بينها مسألة الانتخابات.
وبين سيناريو جهنمي وسنة كبيسة توقعها المهدي، وتحذيرات الحركة من انهيار اتفاق السلام، يبدو أن السودان مقدم على مرحلة صعبة، دفعت وزارة الخارجية الأميركية إلى القول إنه قد لا يكون قادراً على إجراء انتخابات تتسم بالصدقية خلال الأشهر المقبلة، وذلك وسط انقسام واضح في السياسة الأميركية تجاه السودان بعد اتهام أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي إدارة الرئيس باراك أوباما بتبني مقاربة متساهلة مع الخرطوم، الأمر الذي نفاه الموفد الأميركي إلى هذا البلد، سكوت غريشان، مؤكداً في الوقت نفسه ضرورة التحاور مع الحكومة لأنها الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى اتفاقات. وأبدى قلقاً بالغاً لزيادة العنف العرقي في الجنوب وآثاره على السكان المحليين.
أمام هذه التحديات، تبرز التساؤلات عن إمكان نجاح السودان في إقرار القوانين الخلافية والعبور إلى مرحلة الانتخابات لإنجازها، لتبقى الإجابة رهناً بالتطورات التي ستشهدها البلاد خلال الأسابيع القليلة المقبلة.


تجدّد التوتر في دارفور