الشركات الخاصة: منافسة الدولة لنا غير مشروعة محمد وهبة
منذ سنوات توقّف «جَحش الدولة» عن العمل، لأنه لم يعد لدى مصلحة النقل المشترك وسكك الحديد إلّا 10 أوتوبيسات، فيما تصطفّ المئات في ساحة العبد ومار مخايل كخردة ملوّنة بالأزرق. ترك الأمر فراغاً هائلاً في الطلب على النقل، فتمكّنت النقابات والشركات من تلبيته عبر الفانات والباصات، وتقاسمت السوق مع الشركات الخاصة، بحماية سياسية.

حروب وصفقات

للقصة جذور أعمق وأكثر تشعّباً، تبدأ مع إنشاء مصلحة النقل المشترك عام 1961حين توقّف «الترامواي» عن العمل، وحلّت أوتوبيسات الدولة بدلاً منه. حينها اعتمدت المصلحة أسطول حافلات مؤلّفاً من 150 حافلة «سافييم»، ثم اشترت 220 حافلة جديدة من ماركة «برليه» الفرنسية عام 1978، إلّا أن غالبية هذه الحافلات دُمّر خلال الحرب الأهلية.
وفي عام 1995 أجرت المصلحة صفقة بقيمة 21 مليون دولار لشراء 200 أوتوبيس جديد من ماركة «كاروسا» التشيكية الصنع، لكن تبيّن أنها ليست معدّة للتشغيل في لبنان، لأن هذا النوع من الحافلات كان مجهّزاً للبلدان ذات الجوّ البارد جداً، ولا تصلح لبلدان معتدلة الجوّ مثل لبنان، وقد تبيّن لفرق الصيانة في المصلحة أن هناك صعوبة في صيانة الحافلات، فضلاً عن عدم توافر قطع الغيار. ويؤكد العاملون في المصلحة أن 40 حافلة وصلت إلى لبنان معطّلة، وقد حاول طاقم الصيانة والمهندسون إصلاحها من دون أيّ جدوى، إذ كانت تعاني ارتفاعاً دائماً في درجة حرارة الموتور، إضافةً إلى عيب في بنيتها أضنى المهندسين من دون التمكّن من تصحيحه.
وشُغّلت هذه الحافلات عام 1997، وتهالكت الواحدة تلو الأخرى بسبب غياب الصيانة الجدّية، إذ يقول مستخدمو المصلحة إن نحو 104 حافلات قضت بسبب تشغيلها على خط جبليّ صعوداً ونزولاً بين الشوف وساحل بيروت، لأنها لم تكن مخصصة للسير في مناطق جبلية. وكان هناك 27 خطاً عاملاً في بيروت الكبرى، فيها 199 أوتوبيساً، فيما كانت 21 أوتوبيساً تعمل على خط البقاع، و6 أوتوبيسات للشمال، وكانت هناك خطة لتشغيل 44 أوتوبيساً على خط الجنوب، لكنها لم تُطبّق بسبب النقص، وبسبب محاباة آليات القطاع الخاص الناشطة على هذا الخط.
وفي عام 1999، تسلّمت المصلحة هبة قطرية مؤلّفة من 40 حافلة ميتسوبيشي متوسطة الحجم، وفي الفترة نفسها اشترت المصلحة 12 حافلة متوسطة الحجم أيضاً، من شركة «ألبا» ضمن عقد لشراء 140 حافلة.
اليوم لم يبقَ إلا 10 أوتوبيسات تعمل على 10 خطوط، وانخفض عدد الركاب إلى 4 آلاف راكب يومياً، في مقابل 37 ألفاً في 2004، و35 ألفاً في 1997، و20 ألفاً في 1994، و73 ألفاً في 1988، و101000 عام 1971.
في المقابل، أشارت دراسة أجراها مجلس الإنماء والإعمار، إلى أن عدد الانتقالات اليومية في بيروت الكبرى بلغ 1.6 مليون انتقال تجري عبر وسائل النقل المختلفة، منها 900 ألف انتقال يقوم بها سكان بيروت، 75% منها تكون بالسيارة الخاصة، و25% بواسطة السرفيس، ما يعني أن تخفيف الازدحام يكون عبر تخفيف استعمال السيارة الخاصة، وتعميم النقل المشترك، وهذا كان يتطلّب شراء 530 حافلة جديدة منها 304 حافلات كبيرة الحجم، و225 متوسطة الحجم بكلفة 50 مليون دولار، تشمل تجهيز مصانع ومستودعات لحفظها وصيانتها.

«توقيف تعسّفي»

لذلك، أقرّت حكومة الرئيس رفيق الحريري في عام 2004 شراء 250 حافلة جديدة، ضمن خطة «تفعيل النقل المشترك خلال 3 سنوات»، إلّا أن القرار لم ينفّذ حتى اليوم، بسبب رفض رؤساء الحكومات المتعاقبين اتخاذ قرار بالشراء، بمن فيهم الرئيس الراحل، على الرغم من أن الدراسات تشير إلى أن عدد الركاب المتوقع بعد تشغيل 250 حافلة جديدة سيرتفع مباشرة إلى 100 ألف يومياً (400 راكب للحافلة الواحدة يومياً)، أي إنّ هذه الحافلات ستكون قابلة لرد كلفة شرائها، وتجهيز مصانع ومستودعات الصيانة خلال 2.5 سنة.
لكن لا يزال المعنيون قلقين من أمرين:
ــ صفقة تأتي بحافلات غير مطابقة لمواصفات التشغيل في لبنان (مدينية، خارج المُدُن) أو لا تشمل قطع الغيار والصيانة...
ــ توزيع الحافلات الجديدة على المناطق وفقاً لمقاربات وأهداف سياسية ما يجعلها تقع فريسة هذا الأمر، ويلغي مبدأ التنمية المتوازنة، الذي يمثّل الهدف الرئيسي لتعميم النقل المشترك.
لكن المصلحة، تعمل منذ أسابيع على إعادة تفعيل نفسها، وهي تقوم حالياً بصيانة 37 حافلة أُعدّت إعداداً كاملاً بنيوياً وهيكلياً، وتشغيلها ينتظر إتمام مناقصة شراء قطع الغيار بعد نهاية السنة الجارية.

منافسة «غير مشروعة»

وبحسب مصادر مطّلعة، فإن عدم إقرار خطة شراء 250 أوتوبيساً كان سببه رغبة قطاع النقل الخاص في السيطرة على القطاع، إذ يرى رئيس مجلس إدارة الشركة اللبنانية للمواصلات، خليل زنتوت، أن تفعيل النقل المشترك يمثّل «منافسة غير مشروعة لقطاع النقل البري الخاص، لأن أسعاره مدعومة من الدولة، فيما نحن ندفع ثمن اللوحات الحمراء». ويشير إلى أن المصلحة تحوّلت «إلى مركز لتوظيف المحاسيب»، إذ تمكّن هؤلاء «خلال 7 سنوات (في إشارة إلى حافلات كاروسا) من تحويل حافلات بقيمة 20 مليون دولار إلى خردة»، ولذلك يجب «خصخصة هذا القطاع وفقاً للتجارب العالمية».
أما رئيس نقابة سائقي ومالكي السيارات العمومية، عبد الأمير نجدي، فيرى أنّ من المثير للسخرية «تغيير 3 موديلات للحافلات منذ إنشاء مصلحة النقل المشترك، وها هي اليوم «مشلوحة» يميناً ويساراً في الساحات، وأي منافسة يمكن الدولة أن تقوم بها من خلال 250 أوتوبيساً مقابل 6 آلاف أوتوبيس وفان خاص؟». وبالتالي فإن مكافحة النمر العمومية المزوّرة يمثل بداية لتفعيل خطة النقل.
غير أن المنافسة الحقيقية التي يتوقع أن يتعرض لها «جحش الدولة»، تتمثّل في خطوط النقل التي تتقاسمها النقابات وشركات القطاع الخاص بحمايات سياسية معروفة، إذ إن زنتوت ينقل إلى صيدا وفي بيروت الكبرى، مقابل شركة تنقل إلى طرابلس والشمال، وفانات تسيطر على خط البقاع، وفي ضواحي بيروت خطوط ملزّمة أيضاً...


2000 حادث

خلال عام واحد سجّل لدى مصلحة النقل المشترك هذا الكمّ من الحوادث، الذي أدّى إلى تعطيل عدد من الأوتوبيسات وتوقّفها عن العمل بسبب القيادة الرعناء


30 ألف نمرة

هو عدد اللوحات العمومية من الفئات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، التي اصدرتها الدولة منذ 1997، ما حفّز القطاع الخاص على حساب القطاع العام عشوائيّاً


تطوير سكك الحديد

هناك خطة لتطوير سكك الحديد لتقوم على تشغيل 3 خطوط، خط ساحلي بين بيروت وجونيه والدامور ونحو حي السلّم ومطار بيروت والجامعة اللبنانية، وخطان في بيروت يستخدمان تكنولوجيا أخف من المترو. وجميعها توفّر انتقال 400 ألف راكب بكلفة 1.07 مليار دولار .