الجزائر | اضطرت مؤسسة الرئاسة في الجزائر، أمس، للخروج عن صمتها في موضوع التغييرات التي أجريت في المخابرات أخيراً، بعدما صارت هذه القضية تمثّل منطلقا لتحليل وتأويل ما يجري من أحداث في البلاد، وخاصة الاتهامات الموجهة إلى رجال أعمال نافذين جداً، وكذلك الاعتقالات التي طاولت جنرالات في المؤسسة العسكرية كانوا يُحسبون على قائد المخابرات السابق.
وأفادت الرئاسة الجزائرية، في بيان، بأن التغييرات وعمليات إعادة التنظيم على مستوى دائرة الاستعلام والأمن (تسمية المخابرات العسكرية) تندرج ضمن «هيكل تنظيمي وضع منذ ربع قرن ويرمي إلى تعزيز قدرة ونجاعة مصالح الاستعلام الجزائرية وتكييفها مع التحولات السياسية الوطنية». وأضاف البيان أن التغييرات جاءت «في سياق حركة إصلاحات أمنية وسياسية واسعة بوشرت في سنة 2011 برفع حالة الطوارئ وتنفيذ عدة قوانين ذات بعد سياسي. وهو مسار سيتوج عن قريب بمشروع مراجعة الدستور».
وأوضحت رئاسة الجمهورية أن الإصلاحات شملت أيضاً «كلما اقتضى الأمر» المؤسسات المكلفة الحفاظ على الأمن على غرار عمليات إعادة التنظيم التي بوشرت والتغييرات التي أجريت على مستوى دائرة الاستعلام والأمن «التي ساهمت بتفان في الحفاظ على الدولة وتضطلع بمهمات ذات مصلحة وطنية كبرى وتتوافر على موارد بشرية ذات كفاءات عالية».
ويأتي توضيح مؤسسة الرئاسة لمحاولة وضع حد للجدل الذي صاحب إنهاء مهمات قائد جهاز المخابرات المقال، محمد مدين (المعروف بتوفيق)، وما سبقه من إقالة لكبار الجنرالات وقادة الأجهزة الأمنية الحساسة في الدولة.
وفي الفترة الأخيرة، وصلت تحليلات سياسية وإعلامية إلى درجة الإشارة إلى أن محيط الرئيس بوتفليقة يقوم بتصفية حسابات مع مؤسسة المخابرات التي لم تكن راضية في العام الماضي على تمرير العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بسبب تردي وضعه الصحي. بينما رأت، مثلاً، زعيمة «حزب العمال»، لويزة حنون، أن «الجزائر تشهد عملية تفكيك لجهاز مخابراتها وأن أمن الجزائريين سيكون في خطر».
غير أنّ أخطر التأويلات المتداولة، كانت اعتبار أن الاعتقالات التي تعرض لها الجنرال عبد القادر آيت وعرابي (المدعو حسان)، وهو القائد السابق لمديرية مكافحة الإرهاب بجهاز المخابرات، والجنرال حسين بن حديد القائد السابق للناحية العسكرية الثالثة ومستشار الرئيس السابق اليمين زروال، جاءت بدافع الانتقام منهما بسبب قرب الأول الشديد من قائد المخابرات ودفاع الثاني المستميت عنه إعلاميا ومهاجمته شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، واتهامه بالسعي إلى توريث الحكم. ويواجه الرجلان في حال ثبوت التهم الموجهة إليهما أحكاما بالسجن.

وصل التحليل إلى القول إن محيط الرئيس يصفّي حسابات مع المخابرات


ولم يتوقف «مسلسل الجنرالين» حتى بدأت قضية في مجال آخر، بطلها هذه المرة رجل الأعمال الملياردير، يسعد ربراب. فقد وجه إليه، أخيراً، وزير الصناعة، عبد السلام بوشوارب، اتهامات خطيرة بتضخيم فواتير استيراد عتاد قديم من فرنسا، ثم بدأت حرب كلامية لم تتوقف بين رجل الأعمال الموجود حاليا في الخارج ووزراء في الحكومة. ووصل ربراب إلى حد اتهام السلطات الجزائرية بإصدار مذكرة توقيف ضده لمحاولة إسكاته وتحطيم استثماراته. وكالعادة، ذهبت التأويلات في القضية إلى اعتبار أن جناح الرئاسة المتنفذ هو من يسعى إلى ضرب ربراب باعتباره «من بقايا المحسوبين على قائد المخابرات السابق»، حتى وإن كان ربراب قد نفى تماما صلته بالجنرال توفيق.
واللافت في بيان رئاسة الجمهورية الصادر أمس، أنه ربط الهيكل التنظيمي الجديد لجهاز المخابرات بمشروع مراجعة الدستور المتعثر منذ عام 2011 (تاريخ إطلاقه). وقد يتماهى ذلك مع ما ذكره أخيراً الأمين العام لـ «جبهة التحرير الوطني» (صاحبة الأغلبية النيابية)، عمار سعداني، أثناء اجتماع اللجنة المركزية لحزبه، حين قال إنّ «الدستور المقبل سيكرس الدولة المدنية في الجزائر». وكان عمار سعداني قد قاد هجوما، تاريخيا، على قائد جهاز المخابرات المقال، واصفاً إياه بأنه يقف وراء كل أزمات البلاد.