63 طالباً فلسطينياً حظوا هذا العام بمنح تعليمية من وكالة “الأونروا”، من أصل 351 طالباً تقدموا بطلبات لنيلها. “هذا أفضل الموجود، وسنفاوض للأحسن في المرحلة المقبلة”، تقول عفاف يونس، مديرة برنامج التربية والتعليم في الوكالة، نافية أن يكون معيار التسييس حاضراً في توزيع المنح
فاتن الحاج
كأنّ اللهاث وراء المنح الجامعية بات قدراً محتوماً للطلاب الفلسطينيين. فهؤلاء دأبوا في السنوات الماضية على البحث عن جهات تساعدهم على تأمين الأقساط، حتى قبل أن يعدّوا العدة لاختيار اختصاصاتهم الجامعية. وبما أنّ وكالة “الأونروا” هي الرئة الوحيدة التي يتنفّس منها اللاجئون الفلسطينيون، فإنّ الطلاب يراهنون عليها لتسديد الفاتورة التعليمية المرتفعة جداً في الجامعات اللبنانية الخاصة. لا بل يترقّبون أنّ تتحمل الوكالة مسؤوليتها تجاههم، ولو كلّف الأمر إصدار برنامج طوارئ، على غرار ما حصل في برامج أخرى في نهر البارد وغزّة والضفة.
وفي انتظار ذلك، ما هي الخيارات المتاحة أمام الطلاب اليوم؟
في تقريرها لهذا العام، ذكرت مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان أنّ 1331 طالباً فلسطينياً نجحوا في الامتحانات الرسمية، ويستعدون لمواصلة تحصيلهم الجامعي. وفيما رأت المؤسسة أن الشروط التي تضعها “الأونروا” والجهات المانحة تحسّنت في إطارها النظري عن السنوات الماضية، لجهة الفئات المشمولة من غير المسجلين، وفاقدي الأوراق الثبوتية، والطلاب الفلسطينيين من المدارس الرسمية، وكذلك معدل النجاح (60%)، فإنّه يمكن، كما قالت، النيل من هذا التحسن بسهولة إذا لم تجرِ الإجابة عمّا سمّته الأسئلة الكبرى: “هل تستطيع الأونروا تغطية منح جميع الطلاب، الذين تتوافر لديهم شروط الجهات المانحة؟ ماذا عن الذين لم تصل معدلاتهم إلى 60%؟ هل لدى الأونروا أرقام دقيقة عن عدد الطلاب الذين تمكّنوا هذا العام من الالتحاق بالجامعات؟ وإذا كان برنامج المنح المقدّمة من الاتحاد الأوروبي يشترط أن يكون الطالب مقبولاً للتخصّص في إحدى الجامعات المعترف بها في لبنان لمدة أقصاها 5 سنوات برسم 6 آلاف دولار سنوياً، فماذا عن الاختصاصات التي تزيد على خمس سنوات، مثل الطب والهندسة؟ هل معنى ذلك أنّ هذين الاختصاصين محرّمان على الفلسطينيين؟ ماذا عن مراعاة أقساط الجامعات، ولا سيما جامعة بيروت العربية، المقصد الأول للطلاب الفلسطينيين، التي ترتفع ارتفاعاً مطّرداً وكبيراً؟ ومثال على ذلك قسط كلية الطب السنوي، الذي كان قبل 4 سنوات 6 آلاف دولار، أما اليوم فقد أصبح 11 ألف دولار. ومثال آخر القسط السنوي لكلية الهندسة، الذي ارتفع من 4 آلاف إلى 8 آلاف دولار؟ متى ستصرف المنح، وكيف سيؤمّن الطلاب الدفعة الأولى من الأقساط للجامعات؟
«الأونروا» تفاوض لشمول طلاب الطب والهندسة في المنح
توقيت صرف المنح يتوقف عنده أيضاً يوسف أحمد، رئيس اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني، فيقول: “التأخير في الإعلان الرسمي لأسماء الطلاب المستفيدين يسبّب إرباكاً في صفوف الطلاب المتقدمين بطلبات لنيل المنح، ويُدخل في نفوسهم الشك في شأن شفافية اختيار المستحقين”. يضيف: “مع ذلك، لا تغطي المنح، رغم إيجابيتها، أكثر من 5% من مجموع الطلاب الفلسطينيين الناجحين في الشهادة الثانوية، فيما تحرم الشروط المعقّدة للجهات المانحة الحالات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة حقّ الاستفادة من تلك المنح”. ويقترح أحمد بالنسبة إلى طلاب كلية الطب والهندسة، أن “توفّر لهم الأونروا ما قيمته 6 آلاف دولار، على أن يتكفّل الطالب بتغطية المبلغ الباقي من القسط”. وينتقد تغييب القوى الطالبية العارفة بأمور الطلاب ومعاناتهم عن اللجان الاستشارية للمنح، مطالباً بوضع خطة لتأسيس صندوق ثابت يموّل من خلال موازنة الأونروا، وعدم ترك الطلاب رهينة المنح غير الثابثة المقدّمة من بعض الدول سنوياً.
هذه الهواجس والتساؤلات نقلناها إلى عفاف يونس، مديرة برنامج التربية والتعليم في “الأونروا”. تشرح يونس بدايةً أنّ المرحلة الجامعية لا تدخل ضمن مسؤوليات البرنامج التعليمي للوكالة، الذي يُعنى بالتعليم الإلزامي والمجاني في المرحلة الأساسية، حتى صف البريفيه، وهذا البرنامج مطبّق في سوريا والأردن والضفة وغزة. وحده لبنان خرق النظام، تقول يونس، عندما تقرّر عام 1993 شمول المرحلة الثانوية.
نظراً لصعوبة دخول التلامذة إلى الثانويات الرسمية بسبب غياب الأمكنة، بينما لم يكن الوضع الاقتصادي للعائلات الفلسطينية يسمح بدخول المدارس الخاصة. وفوق هذا وذاك، ازداد الخوف من خطورة التسرب المدرسي بعد البريفيه.
ثم ظهرت الحاجة إلى مساعدة الطلاب بعد التعليم الثانوي، فكان خيار اللجوء إلى مشاريع المنح لدعم الجامعيّين الفلسطينيّين. كان ذلك عام 2000، عندما قدّم مركز البحوث والتطوير الكندي للمرة الأولى منحة خصصها للفتيات فقط. وتوالت بعد ذلك الدول على تقديم المنح، فكان أبرزها اتفاق “الأونروا” مع الاتحاد الأوروبي، الذي قدّم 3 ملايين يورو على 3 سنوات، إذ ينتهي العقد هذا العام. وقد أُعطي المليون يورو لهذا العام لـ58 طالباً. وقدّمت مؤسسة كريم ورضا سعيد هذا العام منحتها السنوية لطالبتَين. أما ما بقي من مساعدة الحكومة اليابانية لـ“الأونروا” فخُصّص لمساعدة ثلاث طالبات هذا العام لسنة واحدة فقط. وبذلك يكون مجموع المنح التي نالها الطلاب الفلسطينيّون 63 منحة. ماذا عن الباقين، أي الـ351 طالباً، الذين قدّموا طلبات هذا العام؟
تبدي يونس عدم رضاها عن عدد المنح “لكننا لسنا الوحيدين في هذا العالم، الذين يحتاجون إلى المساعدة. هذا هو الموجود، ونحن ملتزمون بشروط المانحين”. وتكشف عن “السعي إلى توسيع دائرة المانحين، وإعداد رؤيا جديدة لإدارة مشاريع المنح، بعدما وُعدنا بالحصول على دعم جديد من الاتحاد الأوروبي بقيمة 4.3 ملايين يورو لثلاث سنوات إضافية”. تقول: “سنفاوض لشمول طلاب الطب والهندسة، حتى لو اضطرنا الأمر إلى ألّا نعطيهم منحة كاملة، لكن أيضاً أن لا نحرمهم إيّاها كلياً”. تضيف يونس إنّ مراعاة الواقع الاقتصادي للعائلات الفلسطينية محسومة، على الأقل في منح الاتحاد الأوروبي، الذي يشترط أن يكون الطلاب المستفيدون إما من مدارس “الأونروا”، أو المدارس الرسمية وليس من المدارس الخاصة.
تحرص يونس على التأكيد “أنّ الأونروا ليس الجهة الوحيدة التي تختار الطلاب، فلكلّ منحة لجنة استشارية، ولجنة منح الاتحاد الأوروبي تضم إلى ممثلي الوكالة 5 أعضاء ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني، وأستاذاً جامعياً محايداً من إحدى الجامعات الخاصة، ومراقبين من الاتحاد”.
لماذا لا يجري التشاور مع الأطر الطلابية عند توزيع المنح، وخصوصاً أنّها في احتكاك مباشر مع الطلاب؟
“سؤال مشروع”، تعلّق يونس لكن “الوكالة تتجنّب الدخول مع أي جهة تريد أن تنفّذ أجندة سياسية، وما نسعى إليه في خطتنا التطويرية هو تأسيس هيئة استشارية نواتها المتخرّجون بمنح الأونروا، لتكون جهة حيادية غير مسيّسة، تشارك في اختيار الطلاب المستحقين”. وفي انتظار ذلك، “نختار والجهات المانحة الأعضاء الاستشاريين من المنظمات المشهود لها بخدماتها الاجتماعية، والتربوية، للفلسطينيّين على الأرض”.


يطرق الطالب الفلسطيني باباً ثانياً للحصول على المنحة التعليمية، هو صندوق الطلاب الفلسطينيين. يقّدم الصندوق منذ عام 1973 قروضاً ميسّرة طويلة الأمد، مشترطاً أن لا يقل معدل الطالب عن 75% في كل سنوات الدراسة. لكن موارد الصندوق تنضب عاماً بعد عام لسببين، يتحدث عنهما مدير الصندوق حسن أبو رقبة. أما السبب الأول فهو تخلّف المتخرجين عن تسديد ديونهم، والسبب الثاني امتناع بعض الدول العربية عن إرسال التبرعات. ويبلغ عدد الطلاب المستفيدين سنوياً نحو 500 طالب، يُنفق عليهم أكثر من ملياري ليرة لبنانية