فور تخرّجها من كليّة الفنون في الجامعة اللبنانية في عام 2006، اندلعت حرب تمّوز واستهدفت غارات العدو منزل أهلها في جنوب لبنان المجاور لمحترفها، ما أدّى إلى تمزّق وتخريب لوحاتها التي كانت تخطّط لتقديمها في معرضها الفردي الأوّل. رغم اليأس الذي تملّكها، إلّا أنّ الغضب دفعها إلى الاستمرار. هكذا، أنقذت قدر ما استطاعت من لوحاتها، ثم خيّطتها ورمّمتها. وبالتعاون مع المعهد الفرنسي في لبنان، جالت بتلك اللوحات مناطق عدّة في لبنان، مقدمةً معرضها الفردي الأول للجمهور. ترفض التشكيليّة نور بلّوق فكرة الاستسلام، وها هي تفتتح غاليري باسمها في مدينة النبطيّة (جنوب لبنان)، تزامناً مع تصعيد العدو غاراته على الجنوب اللبناني.أدركت بلّوق حاجة مدينة النبطية إلى الأنشطة الفنيّة الثقافيّة، وخصوصاً بعدما تقشّفت في السنتين الأخيرتين بسبب الوضع الاقتصادي المتأزّم. باشرت العمل على افتتاح الغاليري، ثمّ اندلعت الحرب في غزّة وبدأ العدوان الإسرائيلي باستهداف جنوب لبنان. وصف بعضهم إصرار بلّوق على افتتاح الغاليري مع مطلع هذا العام بالجنون، لكنّها رفضت التراجع. «كنّا نسمع صوت القصف ونحن نحتفل بافتتاح المساحة الفنيّة الجديدة» تقول الفنانة لنا، مضيفةً: «رغم أنّ الشعور بالخجل استحوذ عليّ، فهناك أطفال يموتون وأنا أفتتح غاليري، إلّا أنّ إرادة البقاء والاستمرار منعتني من التردّد».
افتتحت الغاليري بمعرض جماعي، احتوى لوحات لفنانين مخضرمين ذات قيمة عالية في السوق الفنيّة، كالفنان اللبناني محمد الروّاس. قد يتساءل بعضهم كيف لغاليري حديثة الافتتاح أن تقنع فناناً كالروّاس بالعرض معها؟ يجيبنا الفنان اللبناني المعروف: «نور بلّوق كانت تلميذتي، جدّية وموهوبة. حين عرضت عليّ المشاركة، لم يسعني سوى أن أسهم دعماً وتشجيعاً لها ولمشروعها الحضاري والثقافي البنّاء». أمّا عن رأيه بمشروع البلّوق، فيعلّق: «نشاط مماثل ذو أهميّة كبيرة في نشر الفن في مختلف المناطق اللبنانيّة وتجاوز مركزيّة الأنشطة الثقافيّة خارج نطاق العاصمة». بعد شهر على الافتتاح، احتضنت الغاليري معرضاً فرديّاً للفنّان والخطّاط العراقي الفرنسي حسن المسعود حمل عنوان «خطوط المسعود» وتضمّن نحو ثلاثين لوحة لفن الخطّ الحديث. مسعود الذي يؤمن برؤية بلّوق الفنيّة، وبأنّ الفن يمكن أن يكون مصدراً للتواصل والتلاقي، يقول لنا: «عرضت في جنوب لبنان تزامناً مع الهجمات الإسرائيليّة. أنا ونور دوماً ما نتناقش في الأحوال الفنيّة، واعتدت تذكيرها بأنّ الفن عكس السياسة، هو يجمع الناس بدلاً من أن يفرّقهم». وقبل أشهر، افتتحت بلّوق معرضاً جماعيّاً آخر يعرض أعمالاً لفنانين متمرّسين كحسن جوني، ودرويش الشمعة، وعيسى حلّوم وغيرهم، إضافة إلى أعمال بلّوق نفسها. تحت عنوان «صالون الربيع الصغير»، يقدّم المعرض المستمرّ حتى الآن، لوحات للطبيعة اللبنانيّة، فيما تحضّر بلّوق لمعرض جديد قد يفتتح في شهر حزيران (يونيو).
تؤكّد بلّوق أنّ إقبال سكّان المدينة على الغاليري جيّد، فهناك الكثير من الفنانين ومحبّي الفنّ الذين يقطنون في الجنوب، وكانوا مجبرين في السابق على القيادة لساعتين إلى العاصمة ليتمكّنوا من متابعة الأعمال الفنيّة. أمّا الآن، فقد أصبحت الغاليري الجديدة متنفساً لهم في ظلّ ما يحصل. أمّا بالنسبة إلى المبيع، فهو مقبول، كما حال باقي الغاليريات الفنيّة في لبنان بعد الأزمة الاقتصاديّة.
رغم حزم حقيبتها في حال تفاقم العدوان الإسرائيلي، إلّا أنّها نور بلوق ترفض هجر الجنوب ككلّ. تتطلع إلى آفاق الغاليري الأولى من نوعها في مدينة النبطيّة، وتخطّط لأنشطتها المستقبليّة، لتقاوم باللّغة التي تجيدها.