«حق الوصول إلى المعلومات»: شمعة بدلاً من لعن الظلام؟محمد وهبة
«الفساد في لبنان مرض مزمن، وهو منتشر وخبيث ومتفشٍّ، لكن إذا لم نرضَ بالقليل حالياً، فلن نأخذ شيئاً من حقوقنا». بهذه العبارة يردّ المحامي عادل يمين على الانتقادات الموجّهة إلى مسودة مشروعي اقتراح قانون «حق الوصول إلى المعلومات» وَ«حماية كاشفي الفساد» الذي عُرض أمس في مؤتمر للجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، إذ يعتقد أن «كل الانتقادات محقّة، لكن لا يمكن الاستسلام، فماذا لو بات بإمكان المواطن الحصول على القليل فقط، مثل: مستند رسمي عن عقد أو مناقصة أو فاتورة أو مذكّرة أو تعميم... إنها بداية لا يُستهان بها».

هواجس وأسئلة

هناك أسئلة كثيرة تثير الشكوك في ظل التركيبة اللبنانية وترابط المصالح السياسية والطائفية للأحزاب والتيارات، فهل يمكن في ظل قانون كهذا الوصول إلى معلومات يحميها فاسدون، وهم القيّمون عليها وعلى نشرها للرأي العام؟ وما هي المعلومات المتاحة في لبنان؟ وهل هناك استقلالية للجهات الناشئة بموجب القانون لتكون حَكَمَاً يوفّر للمواطن حقّه في الحصول على المعلومات؟ وما هي الثُّغر التي ستكون ذريعة يتملّص عبرها الفاسدون من تقديم المعلومات؟ وأخيراً، من يعوّل على أن يكون القانون أداة لمكافحة الفساد، وأن لا يخضع للتسييس من المعنيين بتطبيقه؟
هذه الهواجس والأسئلة، طُرحت في مؤتمر عقدته الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، والشبكة الوطنية لتعزيز الحق في الوصول إلى المعلومات، بعنوان «الوصول إلى المعلومات وحماية كاشفي الفساد: مدى تأثيرهما على القطاع الخاص». وتركّز النقاش في جلسات العمل على مشروعي اقتراح قانون «حق الوصول إلى المعلومات» و«حماية كاشفي الفساد»، إذ كان النائب غسان مخيبر قد دعا مجموعة عمل إلى إنجاز المسودة التي قُدمت في 9 نيسان كاقتراح قانون إلى المجلس النيابي موقّعة من عدد من الكتل النيابية المختلفة.

مشروع القانون

بحسب المستشارة الأولى في جمعية المحامين والقضاة الأميركيين مايا نجم، يتيح هذا القانون لكل مواطن، الحصول على المعلومات الإدارية لدى المؤسسات والهيئات العامة والمستقلة... من دون تبرير طلبه. ويحدّد المشروع ماهية هذه المعلومات، فيشير إلى العقود والمستندات الإدارية والمذكرات والتعاميم والتقارير والدراسات والإحصاءات وجلسات المجلس النيابي واللجان النيابية، والآراء والقرارات ومشاريع ومخططات البرامج الصادرة عن هذه الإدارات... وتصبح هذه الإدارات ملزمة بنشر محاضر جلساتها وجميع مذاكراتها.
ويُستثنى من هذا الحق، كل ما يتعلق بقضايا الدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية للدولة، وكل ما يؤثر في العملة الوطنية والمصالح الاقتصادية العليا للدولة... وكل ما هو محمي بالقانون مثل السرية المصرفية وسرية التجارة.
وفي حالة الرفض، الذي يجب أن يكون معللاً بالأسباب من الإدارة المعنية، يمكن لطالب المعلومات أن يعترض لدى «الهيئة الإدارية المستقلة»، التي يعيّنها مجلس الوزراء، ولديها صلاحية إلزام الإدارة المعنية بمنح المعلومات المطلوبة، وأخيراً يمكن أي طرف الاعتراض واستئناف قرار الهيئة أمام مجلس شورى الدولة.

استثناءات عامة والذرائع سياسية!

من أبرز الملاحظات على المشروع الاستثناءات واستقلالية الهيئة، فالأولى عمومية جداً، وبالتالي فإن أي معلومة ترفض الإدارة الإفصاح عنها، يمكن إدراجها ضمن الاستثناءات. فيما لا يمكن تحقيق استقلالية الهيئة في لبنان، حيث الجميع لديه ميول سياسية، وحيث تتصارع الطبقات السياسية والطائفية مستخدمةً كل الأدوات، فقد يصبح هذا القانون إحداها، أو ربما يتفق الجميع على إهماله ونسفه بشكل كامل.
فمن يضمن للمواطن أن بعض القيّمين في هذه الإدارات والمؤسسات العامة والمستقلّة سيقدّمون معلومات تثبت تورطهم في صفقة هنا أو هناك، إذ قد يتذرّع هؤلاء بنقص في قاعدة المعلومات أو بعدم وجودها، وربما تكون الذريعة أن هذا النوع من الإحصاءات أو المعلومات جديد ولا تقوم به الإدارة، ويحتاج إلى جهود إدارات عدّة...
يوافق يمين على أن المجتمع اللبناني لديه ميول سياسية ـــــ طائفية، وبالتالي لا يمكن إنتاج أي مضمون أو هيئة مستقلة تكون الحَكَم بين مالك المعلومات والحق بالاطلاع عليها، إلا أنه لا يرى بديلاً لـ«بداية ما»، إذ إن الاطّلاع على مستند رسمي أو عقد ما هو نصف الطريق ويجب إكماله، «وليس هناك وصفة سحرية لإلغاء حالة الفساد».
وتشير المستشارة القانونية، جورجيت سلامة، إلى أن المشروع يُعدّ تعزيزاً للأدوات التي تحارب الفساد، وبالتالي يجب أن لا نرفع سقف توقعاتنا في المدى القريب، ويجب أن نعمل على المدى الطويل، ونرسّخ فكرة وجود محاسبة ومساءلة، وأن نبدأ تخفيف الفساد تدريجياً لا دفعة واحدة.

تجارب فاشلة

لكن النقاش اتسع أكثر، حين أوضح أحد المشاركين في المؤتمر، تعليقاً على مشروع قانون «حماية كاشفي الفساد»، أن القضاء «نادراً ما تحرّك عندما كُشفت قضايا فساد، إذ تجري أمور كثيرة أمام أعين المسؤولين، وأبرزها ما يشار إليه بوصفه موجّهاً كإخبار إلى النيابة العامة التي لديها صلاحية الاستنساب... ولدينا مشروع وسيط الجمهورية الفاشل أيضاً، فضلاً عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي كان يجب أن يشارك في رسم السياسات الاقتصادية للبلاد، ولكن جرى تهميشه وتفريغه. وتقول المنسّقة في مركز التجارة العالمي، دونا سالم، إن حق الوصول إلى المعلومات لا ينطبق على القطاع الخاص، «فالفساد موجود في هذا القطاع أيضاً، وكل شركة تتذرّع بأن المعلومات لديها سرية، وبأن نظامها لا يتيح الاطلاع عليها إلّا من جانب أصحاب العلاقة، فيما تنفيذ أشغال عامة يتعلق بالمواطن، وبالإنفاق من الخزينة، أي من جيوب دافعي الضرائب».
إلّا أن وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي يعتقد أن «أبرز التحديات هي تطبيق هذين القانونين بعد إقرارهما في مجلس النواب، وبالتالي قبول فكرة المساءلة والشفافية وحماية كاشف الفساد».


3 ملايين دولار

هي كلفة الفساد اليومية التي تمتصّ الموارد اللبنانية وتستنزفها، إلا أن هناك كلفة إضافية تنعكس على الاقتصاد الوطني مباشرةً، وتظهر من خلال هروب المستثمرين، وتحويل الجنسية اللبنانية إلى مهنة بدلاً من هويّة


مجتمع مدجّن