اليوم الثاني لمنتدى التشغيل: 73 مليون فقير في الدول العربية


رشا ابو زكي
مساء أول من أمس، مرّ الليل طويلاً على وزير العمل الفلسطيني الدكتور أحمد مجدلاني، فبعد انتهاء فاعليات افتتاح «المنتدى العربي للتشغيل»، الذي تنظّمه كل من منظمتي العمل الدولية والعربية في فندق ميتروبوليتان في سن الفيل، كان المشاركون، وهم ممثلو أصحاب العمل وممثلو العمال ووزراء العمل في 22 دولة عربية، يستعدون للذهاب الى حفل الاستقبال بضيافة الحكومة اللبنانية في السرايا الكبيرة... طلب المنظّمون من المشاركين التوجه إلى “الباص” فاستجاب الدكتور مجدلاني، ووصل إلى السرايا، شارك في حفل الاستقبال، واستعد للعودة إلى سن الفيل إلا أنه... لم يجد “الباص”! ومجدلاني غير العالِم بطرقات بيروت لم يعرف ما العمل، فخرج من السرايا وتوجّه سيراً على الأقدام نحو أيّ طريق تتوافر فيه سيارات أجرة، إلا أن سيره طال كثيراً، ليحظى بعد أكثر من نصف ساعة بسيارة “تاكسي” أقلّته إلى الفندق... إذ كانت تنتظره هناك مفاجأة عندما تطرّق إلى الحادثة مع المشاركين، فقد كان لكل مشارك سيارة خاصة، وبعضهم ليسوا وزراء، ولا يوجد أي تهديد أمني قد يتعرضون له! إلا هو... يبتسم مجدلاني خلال سرده الرواية لممثل منظمة العمل العربية في فلسطين المحتلة، ويقول “ربما فوضى في التنسيق”!... هذه الحادثة جعلت حالة الترقّب تسيطر على الجلسة التي عُقدت أمس تحت عنوان “بناء نظم الحماية الاجتماعية المناسبة وحماية السكان” في اليوم الثاني من فاعليات المنتدى، فالدكتور مجدلاني كان المحاضر الأول، ومعظم الذين علموا بقضيته ينتظرون أن يتطرق إليها، إلا أنه لم يفعل، ليجعل محور حديثه “العمالة في فلسطين المحتلة”، حيث أشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمثّل الإشكالية الرئيسية للعمالة في فلسطين، فهو يفرض قيوداً تحدّ من قدرة الاقتصاد على النمو، وتؤثر سلباً في تأمين فرص العمل، إذ إن الحصار المفروض على قطاع غزة يمنع المنتجين من الحصول على المواد الأولية لصناعاتهم، ما أدى إلى إغلاق عدد كبير من الأشغال، فيما 634 حاجزاً إسرائيلياً في الضفة الغربية تقطع أوصال المناطق الفلسطينية، وتمنعها من التواصل الاقتصادي، وذلك إضافةً إلى عزل القدس عزلاً مطلقاً... مشيراً إلى أن هذه العوامل تمنع وجود أي دورة اقتصادية في فلسطين، وتخلق أسواقاً صغيرة ومجزّأة لا تولّد فرص العمل، لترتفع نسبة البطالة إلى أكثر من 50% في قطاع غزة، وحوالى 19% في الضفة الغربية!

حماية اجتماعية؟

أما السياسات الحكومية المعتمدة في لبنان، فكانت محور مداخلة رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن في الجلسة نفسها، فلفت إلى أنه ضمن خطّط ما سمّي الإصلاح، وفقاً لما قدمته الحكومة إلى مؤتمرات باريس (1) و(2) و(3) وتحت ذريعة الجنّة الضرائبية التي تبيّن أنها جحيم ضريبي على العمال ومحدودي الدخل، خفضت الدولة الاشتراكات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن أصحاب العمل بنسبة الثلث، وذلك عملاً بتوصيات واقتراحات البنك الدولي الهدّامة باستجابة طوعية ومرغوبة ومطلوبة من الحكومة وأصحاب العمل، إلا أن إدارة الصندوق والحكومة معاً، بدلاً من إعادة النظر في نسبة الاشتراكات، وإعادتها على الأقل إلى ما كانت عليه، بعدما وقع الضمان في عجز كبير، ها هي ووفقاً لتوجيهات البنك الدولي تقترح خفض التقديمات على الاستشفاء وزيادة الأعباء على المضمونين، ورفعها إلى نسبة 25% بدلاً من 10% وتكليف كل مضمون معيل لوالده ووالدته مبلغ 20 ألف ليرة عن كل منهما.
وقد ناقش المحاضرون خلال هذه الجلسة ورقة عمل من منظمة العمل الدولية قدّمها كل من أليجاندرو ونويلي كاريسا وكريستينا برنت، وأشارت إلى أنه لا تزال الكثير من المجتمعات العربيّة تتشارك سمة الفقر وانعدام أمن الدخل، إذ يعيش حوالى 20 % تقريباً من إجمالي عدد السكّان العرب، أي بما يُعادل 34.6 مليون نسمة تحت خط الفقر الأدنى، في مقابل 65 مليون فرد، أي 39.9 % من السكان يرزحون تحت خط الفقر الأعلى. فيما تفيد التقديرات الصادرة أخيراً عن البنك الدولي أنّ ثلث عمّال المنطقة فقط تشملهم خطط المعاشات التقاعدية، في ظلّ تباين النسب التي تراوح بين 8% في اليمن و87 % في الجماهيريّة العربية الليبيّة.

صراع على الحقوق النقابية

أما جلسة “دعم سياسات معايير العمل الدولية واحترام حقوق العمال”، فقد شهدت مناوشات كلامية بين كلّ من ممثلي أصحاب العمل ومنظمة العمل الدولية من جهة، وممثلي العمال من جهة أخرى، إذ إن ورقة العمل التي قدمها ممثل منظمة العمل الدولية عبد الله زهير استعرضت الاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق العمال، واكتفت بجولة سريعة على مدى التزام الدول العربية بهذه الاتفاقيات... هذه النقطة تحديداً أثارت سخط ممثلي العمال، فقال ممثل الاتحاد العام لنقابات العمال في البحرين عبد الله حسين إنه لا توجد أيّ إحصاءات رسمية حقيقية بشأن معدّلات البطالة والفقر في العالم العربي، فيما ممثلو أصحاب العمل والحكومات “يتركون أوراق الاتفاقيات في جنيف ليطبّقوا عكسها في بلدانهم”... أما ممثل اتحاد المغربيّين للشغل أحمد بحسنين فسأل “هل الدول العربية التي صدّقت على الاتفاقيات التي تحمي الحريات النقابية تطبّق هذه الاتفاقيات؟ وهل تتأكّد منظمة العمل من هذا الموضوع؟”. وقال “نرى عدداً من الشركات المتعددة الجنسيات التي لا تحترم المعايير الدولية ولا الحقوق الإنسانية ولا حتى سيادة الدول التي تكون فيها، فأين منظّمة العمل الدولية من هذه الشركات؟”. وقد لفت التقرير الذي أعدّته المنظمة الى أن نسبة تصديق الدول العربية على الاتفاقيات والمبادئ والحقوق الأساسية في العمل منخفضة، مقارنةً بمناطق أخرى، ولا سيما تلك المتعلقة بالحقوق النقابية. ولكن في عدد من الحالات يجري العمل على تنفيذ مبادئ الصكوك في انتظار التصديق عليها لاحقًا. ويلفت إلى أنه لم يترجَم التزام حكومات عربية كثيرة بإنفاذ المبادئ والحقوق الدستورية للمنظمة المتعلقة بالحرية النقابية... وعلّق ممثل الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عبد الستار منصور على التقرير، لافتاً إلى أن التقرير لا يعكس الواقع السائد على الساحة العربية من حيث الالتزام الفعلي بمعايير العمل الدولية وحقوق العمال وواقع الحقوق والحريات النقابية في المنطقة. فيما يخلو استعراض واقع التصديق على الاتفاقيات ذات الصلة بالمنطقة العربية من تدقيق أو حتى مجرد إشارة إلى مدى تلاؤم التشريعات المحلية مع هذه الاتفاقيات. مشيراً إلى أنه لا يمكن أن تمثّل تصريحات وزراء في أي بلد من البلدان مستنداً موثوقاً به في مدى الالتزام بالمعايير أو غيرها. معتبراً أنه ليس من دور المنظمة الإشادة بحسن النوايا بل المفروض أن تستند إلى واقع قائم وإجراءات عملية ملموسة... إلّا أن زهير وممثل أصحاب العمل ثابت الور دافعا عن التقرير، فالأول رأى أن التقرير عكس واقع الدول العربية في ما يتعلق بالحريات النقابية، فيما استنكر الور اعتبار جميع الدول العربية غير ملتزمة بالاتفاقيات الدولية...