يعاني اللاجئون الفلسطينيون في مخيّم عين الحلوة، ما يعانيه غيرهم من الفلسطينيين في لبنان، من صعوبة إنجاز معاملاتهم الرسمية، والسبب هو قيام المسؤول السابق في المديرية بإلغاء دور مندوبي المخاتير قبل أن يعيده المسؤول الحالي
عين الحلوة ـ سوزان هاشم
لم يستطع ربيع الالتزام بالموعد الذي حدّده لعقد قرانه على خطيبته إيمان، فقد تأخّر عنه 3 أشهر. لا يعود هذا التأخير إلى قلة وفاء ربيع لإيمان المتيّم بحبها، ولا إلى سوء أحواله المادية «فالحمدلله مستورة وراتبه كمدرّس في وكالة الأونروا يكفينا»، تقول إيمان، لكن ثمة عائق آخر أخّر جمعهما في قفص زوجيّ وهو «حبس أوراق طلب إذن الزواج لدى مديرية الشؤون اللاجئين التابعة للأمن العام»، تضيف إيمان. تسكت قليلاً، ثم تعود إلى سرد حكاية أوراق إذن الزواج التي تعقّد إنجازها بعد إلغاء «دور مندوبي المخاتير. وهؤلاء المندوبون هم عبارة عن أشخاص من المخيم يكلّفون بحكم علاقاتهم مع المخاتير اللبنانيين والموظفين إتمام الأوراق الرسمية لأهل المخيم مقابل بدل معيّن (كأن يكون 20 ألف ليرة تقريباً عن المعاملة الواحدة).
وقد فرض إلغاء دور المندوبين على أهالي المخيّم التوجّه شخصياً إلى المديرية العامة للشؤون السياسيّة واللاجئين الموجودة في بيروت. كأنّ هذه الرحلة بين عين الحلوة وبيروت لا تكفي هؤلاء اللاجئين لتضاف إليها «اللامبالاة التي كان الموظّفون يواجهوننا بها»، تردف إيمان. وتضيف: «وأكثر من ذلك يتذرع موظفو المديرية في بعض الأحيان بضياع الطلب المقدّم».
«هو إهمال مقصود من جانب الموظفين بهدف إذلالنا». هكذا يلخّص مازن قبوطة معاناته مع المديرية. لكن ليس «الإذلال» وحده هو ما يواجهه قبوطة، الذي كان يحاول إنجاز وثيقة ولادة لابنه الجديد، فمصاريف الانتقال من عين الحلوة إلى بيروت في كلّ مرّة كانت تفوق عن كل رحلة بدل أجر عمله في اليوم.
أما خالد هواري، فلم يكن يجرؤ على الخروج من المخيم طيلة 5 أشهر، بعدما أُتلفت هويته بفعل مرور الزمن عليها. واضطر إلى الاستعانة بـ«واسطة» من أجل تأمين هويّة بديلة عنها من المديرية المذكورة. لكن حتى هذه الواسطة كان عليها «الانتقال من هالك لمالك لقبّاض الرواح من أجل تحصيل الهوية».
تتعقّد الأمور أكثر فأكثر بالنسبة إلى اللاجئين المسافرين خارج البلاد. فقد فرضت المديرية في الأشهر الأخيرة حضور هؤلاء شخصياً إلى بيروت من أجل إنجاز أوراقهم الرسمية، رافضةً الطلبات المقدّمة من ذويهم. وقد اضطّرت أم عامر إلى «استدعاء» ابنها من الدنمارك من أجل «تحصيل وثيقة ولادة لابنه». لكن ثمّة استثناءات لهذا القرار، إذ تقول أم محمد، في هذا الإطار، إنها اضطرّت إلى دفع 100 دولار أميركي للموظف، بعدما تعذّر حضور ابنها من الخارج. و100 دولار هذه هي قيمة «الرشوة» المطلوبة لتمرير الأوراق الرسمية العائدة إلى المسافرين، بحسب ما يُجمع عليه الأهالي.
قاعدة «اِدفع تمشِ»، يؤكّدها أحد مندوبي المخاتير، الذي رفض الكشف عن اسمه. ويشير المندوب إلى أنه يدفع «في أحيانٍ كثيرة 10 آلاف إضافية على الطلب مقابل السماح لنا بإنجاز معاملات الناس». في المقابل يعترف محمد بأنه اضطر إلى دفع 20 ألف ليرة من أجل تسريع إتمام هويته في غضون 5 أيام، الأمر عينه ينطبق على عمار. قد تتقلص الـ5 أيام إلى 5 دقائق، لدى البعض ومن دون دفع. والسر؟ يكمن في «الواسطة» تماماً كسائر الدوائر الرسمية، هذا ما يقوله وائل. ويقول الشاب إنه استطاع رصد «أحد الأشخاص المدعومين الذين حضروا إلى المديرية لإنجاز إحدى المعاملات العائدة إلى مسؤول إحدى الفصائل الفلسطينية»، قائلاً بسخرية «شوفي كيف احتار الموظفين، وقبل أن تمر 5 دقائق كانت المعاملة قد أنجزت من دون انتظار أو ذلّ».


حل جزئي للمشكلة

شهد الأسبوعان الماضيان حلحلة نسبية لمشكلة إنجاز المعاملات الرسمية في مديرية الشؤون السياسية واللاجئين. والسبب؟ يشير أحد الموظفين في المديرية إلى أن «مسؤولاً جديداً تسلّم الإدارة بالوكالة». وقد بدأ الأهالي يلمسون بعض التحسن في إنجاز المعاملات، حيث ترافق تعيين المدير الجديد مع إعادة الدور إلى مندوبي المخاتير. ولئن كان الأهالي يستبشرون خيراً بالمسؤول الجديد، فإنهم لا يعوّلون كثيراً على هذا الأمر: «ما دام الإهمال والفساد فاتكين بالمؤسسة».