h1>موجة السيولة الجارفة مستمرّة وأساسها «أجنبي»«موجة جارفة» في المنطقة والعالم تنعش لبنان، أموال مغتربين وخليجيّين هربت من مخاطر وتعقيدات وخسائر الأسواق الماليّة واستقرّت في حضن القطاع المصرفي المحافظ بحكم حتميّة التركيبة الاقتصاديّة اللبنانيّة... كيف خسر الخليج؟ وكم ربح لبنان؟ وهل يستطيع الاقتصاد اللبناني التكيّف مع فائض السيولة؟

حسن شقراني
«الأموال تدفّقت علينا من دون أن نتكلّف عناء طلبها. الآن أصبح هناك أموال كثيرة، فيما الوضع سابقاً كان يضطرّنا إلى عقد مؤتمرات، مثل باريس ـــــ1 وباريس ـــــ2». ينطلق الخبير الاقتصادي، شربل نحّاس، في حديثه لـ«الأخبار»، من هذا الطرح ليفنّد التحدّيات الاقتصاديّة الأساسيّة التي تتربّص بالحكومة المقبلة.
فلبنان استفاق غداة الأزمة الماليّة العالميّة متحيّناً الفرصة، مثلما يحدث عادة في انعكاس للأحداث الإقليميّة الأمنيّة أو الجذريّة سياسياً. لم يكن نظامه المصرفي بحاجة إلى محفّزات الجذب، فقد اجتاحته أموال خائفة من هوامش الخسائر والمركّبات الماليّة «وارتفعت ودائعه منذ نحو عام ونصف عام وحتّى اليوم بواقع 18 مليار دولار تقريباً»، وفقاً لنحّاس.
الودائع الإضافيّة عبارة عن «تدفّق أموال المغتربين والخليجيّين»، وهي ولّدت نمواً في قطاعات محدّدة، وتحديداً في القطاع المصرفي»، الأمر الذي يثني على إيجابيّاته حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عندما يتحدّث عن أهميّة هذا الدفق الأجنبي للاستقرار النقدي والمالي في لبنان، وبالتالي مجموعة «الاستقرارات» الأخرى التي تنتج منه.
وإذا وضعنا جانباً التحدّيات التي تطرحها هذه السيولة الفائضة، التي تعدّ سيفاً بحدّين، فإن ما يلفت كثيراً هو مصدر الأموال التي جاءت إلى «لبنان ـــــ الأمان» هرباً من غابة المال... الجواب ليس صعباً، فالنفط هو لولب الموجة الجارفة والفورة في الشرق الأوسط (بالتحديد في بعض مناطقه: النفطيّة وتلك التي تستفيد من الفائض النقدي).

خيرات الأزمة

لم تكن تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة على منطقة الخليج العربي مفاجئة، وخصوصاً على مراكزه الماليّة. فدبي مثلاً التي بدأت تكرّس نفسها بين أحد الأعمدة الماليّة والتجاريّة للعولمة شهدت تراجعاً حاداً في مؤشّر سوقها الماليّة بلغت نسبته حوالى 75%. والتراجع كان أيضاً سيّد الموقف في السعوديّة بنسبة تقارب 50%، وفي باقي بلدان مجلس التعاون الخليجي.
والأموال التي تمتّعت بالبيئة المستقرّة و«الواعدة» في مصارف الواحة النفطيّة الشرق ـــــ أوسطيّة سرعان ما وجدت نفسها خائفة: تقلّصت الاستثمارات في البورصة وحكم الحذر التعامل مع البنوك. وهنا تكمن فكرة البحث المتعلّق بلبنان.
فالأموال التي تترك نظاماً مصرفياً معيّناً تتوجّه إلى نظام آخر، وهنا يبرز دور البلد المتعطّش للسيولة!
وبحسب الأرقام التي ينشرها مصرف لبنان، ارتفعت قيمة الودائع الإجماليّة الموجودة في المصارف التجاريّة في لبنان بنسبة تبلغ 19.5% في أيّار الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2008. وبحسب رياض سلامة، فقد دخل إلى المصارف اللبنانيّة بين حزيران 2008 وحزيران الماضي 15 مليار دولار ليرتفع احتياطي المصرف المركزي إلى 24 مليار دولار.
وبين أيّار 2008 وأيّار الماضي، بلغت نسبة نموّ ودائع القطاع الخاص المقيم 17%، فيما بلغت نسبة نموّ ودائع القطاع الخاص غير المقيم 34%، ما يعني أنّ أموال المغتربن والأجانب التي هربت إلى القطاع المصرفي اللبناني مثّلت الحافز الأهم للنموّ الإجمالي في ودائع النظام المصرفي، وخصوصاً أنّ ودائع القطاع العام لم تنم إلّا بنسبة 19.7%.
وأضحت ودائع القطاع الخاص غير المقيم تمثّل أكثر من 15.5 في المئة من الودائع الإجماليّة في المصارف التجاريّة بعدما كانت تلك النسبة 14% في العام الماضي.
لكن فيما كان لبنان يتمتّع بـ«خيرات الأزمة الماليّة العالميّة» كانت مصارف الخليج العربي، حيث الجزء الأكبر من فائض قوّة العمل اللبنانية ومصدر السيولة الخارجيّة للمنطقة، تعاني من هروب الودائع أو الاستعداد إلى الهروب!

الهروب إلى لبنان؟

ففي الإمارات العربيّة المتّحدة تراجعت الودائع الإجماليّة في النظام المصرفي بنسبة 1.1% بين أيّار وحزيران الماضيين. وهذا التراجع هو الثاني المسجّل منذ نهاية العام الماضي، حيث انخفضت قيمة الودائع بنسبة 1.8% بين كانون الأوّل وكانون الثاني الماضيين. وهذا النمط من التراجع كان مرتقباً إلى حدّ كبير. فالمصارف بدأت تعاني مباشرة جرّاء الأزمة الماليّة مع تكبّل القطاعات الأساسيّة وتسمّم سوق الائتمان. والتوقّعات كانت تفيد بأزمة ضارية لأداء المصارف التجاريّ. وهذا ما حدث بالفعل. فخلال الربع الثاني من العام الجاري، تراجعت قيمة الأرباح التي حقّقها 16 مصرفاً تجارياً بنسبة 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك بسبب الخسائر الناتجة من القروض السيّئة والمؤونات (احتياطات التغطية) للقروض المشكوك فيها.
تخصيص المؤونات سجّل أيضاً في السعوديّة خوفاً من الخسائر المتربّصة. فقد أعلن «البنك السعودي ـــــ الهولندي» أنّ المؤونات التي خصصها للقروض السيّئة بلغت 67.5 مليون دولار. وذلك بعدما كان قد أعلن «بنك الرياض» و«بنك الجزيرة» و«بنك الاستثمار السعودي» عن مؤونات خسائر بقيمة 12.1 مليون دولار و10.6 ملايين دولار و14.6 مليون دولار على التوالي.
كذلك خصّص «البنك السعودي الفرنسي» مؤونات لتغطية قروض بقيمة 32 مليون دولار للفصل الثاني، وكشف ثاني أكبر مصرف في أكبر اقصاد عربي، «مجموعة سامبا»، عن مخصّصات مؤونات قيمتها حوالى 26 مليون دولار.
وفي ما يتعلّق بالودائع في المصارف السعوديّة، فهي سجّلت نموّاً بنسبة 1.55% في حزيران الماضي مقارنة بالشهر السابق، وبنسبة 17% على أساس سنوي.
في الكويت سجّلت المعاناة المصرفيّة أيضاً في الربع الثاني من العام الجاري، مع تكبّد «مصرف الخليج» و«بنك الكويت التجاري» خسارة بلغت 20.54 مليون دولار و8.15 ملايين دولار على التوالي. ومن المعروف أنّ القطاع المصرفي الكويتي كان من بين الأكثر تأثّراً عربياً من الأزمة الماليّة، لدرجة اضطرّ عندها المصرف المركزي لإنقاذ «مصرف الخليج».
وفي هذا البلد النفطي نمت الودائع المصرفيّة بنسبة خجولة بلغت 0.38% بين أيّار وحزيران الماضيين، مع الإشارة إلى أنّ هذا النموّ حفّزه القطاع العام، حيث تقلّصت ودائع القطاع الخاص بنسبة 0.06%.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ودائع المصارف العمانيّة والبحرينيّة نمت بنسبة 1.1% و0.24% على التوالي بين أيّار وحزيران الماضيين.
... في هذا الوقت كان لبنان المتمتّع بالسريّة المصرفيّة يتمتّع بفصل جديد من فصول الاستفادة من مصائب الجيران النفطيّين!


85.75 مليار دولار

هي قيمة الودائع المسجّلة لدى القطاع المصرفي اللبناني في أيّار الماضي تمثّل الودائع الحكوميّة فقط 1.14% منها.

102 مليار دولار

هي قيمة الموجودات الإجماليّة للمصارف التجاريّة في لبنان في أيّار الماضي، وهي نمت بنسبة 18% مقارنة بأيّار عام 2008.


أهميّة إدارة السيولة