قطاع مهمل... لكنه يخلق الوظائف ويرفع مستوى المعيشة

خلق الوظائف، زيادة الناتج المحلّي الإجمالي، رفع مستوى المعيشة... هذه مجموعة من الأهداف التي يمكن أن يحقّقها قطاع الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم في منطقة الشرق الأوسط في المستقبل القريب إذا احتُضن على نحو مناسب.
فتلك الشركات تمثّل أساساً للاقتصاد الحقيقي، ومع تطوّر الأخير تزداد وتيرة المنافسة، التي يُفترض أن تكون خلّاقة، وتزداد، بطبيعة الحال، أهميّة تلك الشركات، وذلك وفقاً للتقرير المعنون «الشرق الأوسط: ازدياد أهميّة الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم» الذي نشره المصرف البريطاني «Standard Chartered».
القطاع تزداد أهميّته في البلدان الأفقر في المنطقة، وتحديداً تلك التي يمثّل الشباب نسبة عالية من سكّانها، وهي لبنان ومصر والأردن. وفي الاقتصادات المتطوّرة، وتلك التي تعدّ أساسيّة في «المجموعة الناشئة»، ترتفع حصّة القطاع من الناتج المحلّي الإجمالي، فيما تنخفض في البلدان الأخرى رغم أهميّة هذا القطاع في التشغيل.
ووفقاً للتقرير، تتمثّل الأهميّة الاستراتيجيّة لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسّطة في منطقة الشرق الأوسط بعاملين: الأوّل هو خلق الوظائف لفئة الشباب، والثاني هو تنمية القطاع الخاص وخفض الاعتماد الاقتصادي على القطاع النفطي في بلدان الخليج وتحسين مستوى العيش في بلدان أخرى في المنطقة.
وفي لبنان مثلاً، تمثّل نسبة الشباب دون 24 عاماً أكثر من 40% من السكّان، فيما يرتفع معدّل البطالة إلى أكثر من 12%، وبالتالي فإنّ تشجيع المبادرة قد يعكس هذا النمط المسجّل الذي تكرّسه طبيعة الاقتصاد الريعي القائم على قطاع الخدمات الذي يمثّل أكثر من 75 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي.
وفي البلدان النفطيّة الغنيّة مثل السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة تبلغ نسبة الشباب في الفئة العمريّة المذكورة 57% و35% على التوالي، لكن للمفارقة، فإنّ قطاع النفط المسؤول عن معظم النشاط الاقتصادي لا يوظّف سوى 1.5% من قوّة العمل في بلدان الخليج العربي، ما يزيد الحاجة إلى ضرورة خلق وظائف كافية لامتصاص الفائض الذي يخلقه ذلك التضارب.
ولدى بحث وضع بعض البلدان، يظهر تضارب عند مستوى آخر. ففي الإمارات، على سبيل المثال، تُسهم الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم بحوالى 30% من الناتج المحلّي الإجمالي، فيما توظّف 86% من قوّة العمل. كذلك فإنّ الأرقام التي تقدمها غرفة التجارة والصناعة تفيد بأنّ القطاع الخاص إجمالاً لم يُسهم إلا بنسبة 39% من الناتج المحلّي الإجمالي.
والبحث في هذه المعلومات يُعدّ حيوياً للبنان الذي تمثّل البلدان الخليجيّة أكثر من 80% من مصادر تحويلات مغتربيه التي بلغت في عام 2008 حوالى 6 مليارات دولار. أمّا بالنسبة إلى الاقتصاد الداخلي اللبناني، فإنّ الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم تسيطر على قطاع التجارة، لكن في السنوات الماضية ازدادت أهميّة قطاعات البناء والخدمات والسياحة.
لكن وفقاً لما تنقله اللجنة الاقتصاديّة الاجتماعيّة في غرب آسيا (ESCWA) التابعة للأمم المتّحدة، فإنّ حوالى 8% من المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة تحصل على قروض لتطوير أعمالها في لبنان، فيما حصلت 4.2% فقط من تلك الشركات على قروض رسميّة (ميسّرة كانت أو لا) لدى مرحلة إطلاق أعمالها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ معظم المصارف تصعّب كثيراً شروط حصول المؤسّسات الصغيرة على القروض، وخصوصاً في مرحلة الانطلاق، وهي المرحلة التي تعدّ مهمّة جداً، نظراً لأنّ المؤسّسة ستقدم خلالها سلعتها أو خدماتها للمرّة الأولى إلى السوق.
ويرصد هذا الواقع الصعب في لبنان والإمارات العربيّة المتّحدة والأردن ومصر، فالمصارف لا تقدّم قروضاً إلى المؤسّسات إلّا إذا كان قد مضى على تأسيسها عام واحد بالحدّ الأدنى.
وفي لبنان دعمت مؤسّسة التمويل الدوليّة التابعة للبنك الدولي وصول الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم إلى التمويل اللازم من خلال برنامج تحمّل مشترك للمخاطر التي يمكن أن تكمن للشركات المتوسّطة والصغيرة. ووفّر البرنامج 50 مليون دولار لتلك الشركات على شكل قروض تحصل عليها من مصرف «Fransabank». وهذا الإجراء كان نتيجة لحرب تمّوز من عام 2006، وسعت من ورائه المؤسّسة إلى تحفيز عمل المؤسّسات في إطار سلّة «إعادة الإعمار».
وفي هذا السياق، يذكر التقرير أنّه رغم تمتّع لبنان بمستوى مرتفع من السيولة وبمعدّلات مقبولة من التقدّم والتراجع (أي غير دراماتيكيّة) تبقى سوق الائتمان غير ملبّية لشروط تحفيز الإقراض، فيما يمكن أن تحصل الشركات الصغيرة والمتوسّطة على دفعة إيجابيّة في ظلّ السياسات الحكوميّة المناسبة.
وهذا الواقع هو نفسه المسجّل في مصر والأردن، وقد تزداد حدّة جوانبه السلبيّة، وخصوصاً إذا تكرّس النمط المسجّل في لبنان، وهو تصريف فوائض السيولة في القروض الاستهلاكيّة أي لشراء السلع المعمّرة أو المنازل.
غير أنّ عقدة التمويل لا تمثّل العائق الوحيد في وجه تطوير الأعمال في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسّطة. فهناك أيضاً بناء القدرات والتدريب الإداري، إضافة إلى تعقيد نقص اليد العاملة المتمرّسة.
من جهة أخرى، يمكن الملاحظة أنّ لبنان كوّن شراكات عديدة مع هيئات دوليّة مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والولايات المتّحدة لمعالجة القضايا التي تمثّل تعقيداً إلى جانب التمويل.
لكن هناك اعتبارات أخرى يجدر التعاطي معها لتحسين الجوّ الاستثماري العام لكي تنطلق عجلة المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة الحجم، ولكي تنتعش تلك الدائرة الحيويّة التي يتحدّث عنها تقرير المصرف البريطاني. وأبرز تلك الاعتبارات هي بيئة الأعمال.
فوفقاً لتقرير البنك الدولي عن «سهولة الأعمال لعام 2009» احتلّ لبنان المرتبة الـ99 بين 181 اقتصاداً، متراجعاً مرتبة واحدة مقارنة بتقرير العام السابق. واللافت هو أنّه تراجع 5 درجات إلى المرتبة الـ84 عالمياً، وفقاً لمؤشّر الحصول على الائتمان لإطلاق الأعمال. وهذا النوع من المؤشّرات هو بالتحديد ما يجب عكسه لدعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة.
ووفقاً لمؤشّرات التقرير نفسه، يحلّ الأردن ومصر في المرتبة 101 و114 على التوالي. وبحسب معظم المراقبين فإنّ التأخّر على سلّم «سهولة الأعمال» سببه الأساسي بيروقراطيّة الإجراءات عدم الفاعليّة.
وتحفيز القطاع في لبنان يمكن أن يُحدث تطوّراً مهمّاً على صعيدين: الأوّل: هو زيادة معدّل التنافسيّة في المنطقة، والثاني هو اجتذاب اليد العاملة اللبنانيّة الماهرة التي هاجرت بهدف الحصول على وظيفة في بلدان الشرق الأوسط النفطيّة أو في باقي بلدان العالم.
(الأخبار)