Strong>قرم: ازدهار الريع يُفرح من يريد ارتفاع أسعار العقارات«هشاشة ورقيّة» أو «صمود لافت»، مهما اختلف التوصيف، يبقَ الاقتصاد اللبناني الهجين يعيش في غرفة الإنعاش الاستثنائي... الأسس غير سليمة والوضع السياسي مشوّش والمؤشرات متناقضة... وكل ذلك يدفع نحو نموّ رقمي «لا فائدة منه»

حسن شقراني
«لن أكون مفاجأً» إذا بلغ معدّل النموّ الاقتصادي في لبنان 6 في المئة خلال العام الجاري. العبارة لوزير المال محمّد شطح. «فأداء الاقتصاد جيّد»، ومثلما كان النمو في عام 2008 قياسياً طبقاً لإحداثيّات كثيرة، سيسجّل العام الجاري أرقاماً لافتة. وهي مثيرة بالفعل نظراً لأنّ العالم سيسجّل معدّل نموّ سلبي نسبته 1.3 في المئة بحسب صندوق النقد الدولي: أي إنّ الاقتصاد الكوني يتقلّص، واقتصاد لبنان ينمو بالمعدّل نفسه تقريباً الذي سيسجّله الاقتصاد الصيني! هذه الموجة المتفائلة التي تروّج لها تقارير عديدة رسميّة وغير رسميّة، تقوم على مبدأ أساسي: استقرار سياسي مرتجى بعد أرقام إيجابيّة جداً سجّلت في الفصل الأوّل من العام الجاري.
التقرير الأحدث الذي تناولته وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة هو ورقة بحثيّة أصدرها مصرف «Barclay’s Capital».
الورقة المعنونة «لبنان: احتياطات نقديّة قياسيّة ونموّ الودائع المصرفيّة»، تقول إنّه رغم التوتّر السياسي الذي أحاط بالانتخابات النيابيّة في حزيران الماضي، تعكس الأرقام التي نشرها مصرف لبنان أخيراً «الزخم الإيجابي» المرتكز على تدفّق قوي لرؤوس الأموال خلال النصف الأوّل من العام الجاري وإلى متانة أداء النظام المصرفي.
فخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري بلغ الفائض التراكمي في ميزان المدفوعات 1.66 مليار دولار، ارتفاعاً من عجز عند 556.9 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. وفي أيّار الماضي، سجّلت الودائع المصرفيّة نمواً قياسياً بلغت نسبته 17.2 في المئة على أساس سنوي.
مؤشّرات من دون دلالات جذريّة؟ «نعم»، بحسب وزير المال السابق جورج قرم. ففي لبنان «ليس هناك اقتصاد حقيقي». لكن لنبحث عن الهامش الذي يمكن أن نحدّد على أساسه إمكان الصمود، ولو في كنف التشكيلة الاقتصاديّة ـــــ الاجتماعيّة الهجينة في لبنان؟
«ليس هناك داعٍ لذلك» يقول قرم، «فمجتمعنا غير المصنّع والاستهلاكي بمستوى عال منذ الفورة النفطيّة في سبعينيّات القرن الماضي» يحوي اقتصاداً «عجلته ضعيفة» ومرونته تتحوّل الى سلبيّة «بمعدّل كبير»، ما يرفع الهشاشة إلى «مستوى أعلى».
لكن في ظلّ الإحداثيّات القائمة، لا بدّ من البحث عن مقومات الصمود الأساسيّة. فرغم أنّ حجم الدين العام (المعترف به رسمياً) سيصل إلى 51 مليار دولار في بداية العام المقبل، ونسبته إلى الناتج المحلّي الإجمالي تبلغ 162 في المئة حالياً (بحسب القياسات الرسمية أيضاً)، يجب التعويل دوماً على الأفق والبناء عليه وإجراء التغييرات في الاقتصاد تدريجاً. هل هذه الرؤية صحيّة؟
ما يمكن استشفافه من رؤية الوزير شطح إجمالاً هو الآتي: «النموّ مش تمام»... ليس مثالياً وليس متوازناً على الصعيد المناطقي، لكن المؤشّرات الإيجابيّة يجب إبرازها لكي يتحوّل لبنان مجدّداً إلى قبلة استثماريّة «تبحث الشركات عن مركزها الإقليمي فيه».
«النموّ ليس ورقياً وليس ريعياً»، وفقاً لحديث شطح إلى «الأخبار»، لكنّه هجين، عجلته ليست كاملة ولا يعكس نشاطاً صحياً في القطاعات المختلفة. «ففي سوق العمل، على سبيل المثال، هناك سعة لـ20 في المئة تقريباً من الخرّيجين سنوياً... الباقون يبحثون عن الوظائف في الخارج».
ويشير شطح إلى أنّ الأسباب الأساسيّة التي تؤدّي إلى ضآلة توجّه الاستثمارات إلى القطاعات الاقتصاديّة الحقيقيّة يمكن حصرها بالآتي: 1ـــــ عدم الاستقرار السياسي. 2ـــــ عدم فعاليّة النظام القضائي والقانوني. 3ـــــ ضعف البنى التحتيّة من إنترنت وكهرباء ومواصلات.
الفجوة كبيرة إذاً، لكن الهامش الذي يمكن على أساسه العمل لتحويل «الأرقام الإيجابيّة» إلى أرقام يُبنى عليها مستقبلاً لتطوير الاقتصاد، موجود وهو مشجّع، لأنّ لدى لبنان «مقوّمات... هي الرأسمال البشري». فوزير المال يرى أنّ اللبنانيّين الذين يعملون في الخارج، ومعظمهم في منطقة الخليج العربي، هم «النسبة الأكبر من السيّاح الذين سيتجاوز عددهم 1.5 مليون في الموسم الصيفي الحالي»، وهم مستعدّون «للعودة والاستقرار في لبنان إذا وجدوا الطمأنينة» السياسية.
فاستقرارهم في بلدهم يضمنه الاستقرار السياسي. والعامل الأساسي في هذه المسألة هو أنّ هؤلاء اللبنانيّين يمثّلون الكوادر الأساسيّة في الشركات الإقليميّة.
إذاً فالمعادلة بسيطة بحسب شطح: الاستقرار السياسي يؤدّي إلى رغبة الشركات بالاستثمار في لبنان وعودة الكوادر، ما يعني تركيزاً أكبر على القطاعات الإنتاجيّة الحقيقيّة، وبالتالي تحقيق إعادة هيكلة... لكن ليس على طريقة صندوق النقد الدولي! «مقولات صندوق النقد الدولي؟!» يستغرب قرم في حديثه مع «الأخبار». «بخّروا السياسات» الصحيّة وفرضوا سياساتهم الخاصّة التي «لا فائدة منها من بعيد ولا من قريب».
تعليق وزير المال الأسبق كان على التقرير الأخير الذي أصدره الصندوق والذي قال فيه إنّ العوامل السلبيّة في الاقتصاد اللبناني حالياً تنبعث من «التقاء عوامل التذبذب السياسي الداخلي وعدم الاستقرار الإقليمي وضعف أكبر في الأوضاع الاقتصاديّة العالميّة والإقليميّة».
الصندوق تحدّث أيضاً عن «القدرة المفاجئة» التي يتمتّع بها الاقتصاد اللبناني «لمواجهة العواصف»، ويربط هشاشته فقط بالتذبذب السياسي الوطني ـــــ الإقليمي. وهذه الفكرة نفسها يتحدّث عنها تقرير «Barclay’s» عندما يشير إلى «عدم الاستقرار في إيران» وإمكان «تعثّر الحوار السعودي ـــــ السوري». كذلك أشار إليها الوزير شطح عندما حدّد «العامل الأساسي في جذب المستثمرين وتطوير الاقتصاد».
لكن مثلما أصبح معروفاً منذ نشأة لبنان، فالاستقرار السياسي والأمني عملة نادرة. فهل تطوير الاقتصاد عمليّة مستحيلة؟
جورج قرم يرى أنّ الاقتصاد بالمعنى الحقيقي ليس موجوداً «وهناك فقط أموال خليجيّة تتدفّق على نحو هائل وفورة ريعيّة مستمرّة»، فيما الوزير شطح يرى ضرورة لاستغلال الفرصة «كي لا يفوتنا القطار» مثلما حدث خلال السنوات السبع الماضية عندما أدّت الفورة النفطيّة إلى تراكم أموال ضخمة «لم نستطع استغلالها». لكن هل هناك حقاً قطار ينتظرنا؟ هل هناك نموّ حقيقي في نهاية الطريق؟ هل للحكومة المقبلة نيات في هذا الشأن؟


15.9 في المئة

هي النسبة التي تمثّلها ودائع غير المقيمين في النظام المصرفي اللبناني. وارتفعت تلك النسبة من 14.7 في المئة في نهاية كانون الأوّل من عام 2008. وتجدر الإشارة إلى أنّ ودائع غير المقيمين نمت بمعدّل يفوق 10 في المئة منذ بداية العام الماضي.



صحّة الصمود