Strong>مداخيل الخزينة العامّة ترتفع 5 ملايين دولار على الرغم من خفض الأسعارأثبتت تجربة جبران باسيل في وزارة الاتصالات، كما تجربة رياض سلامة ومحمد الحوت في شركة طيران الشرق الأوسط، أن الموقف الداعي إلى بيع مؤسسات القطاع العام ومرافقه كيفما كان، ليس إلا موقفاً نابعاً من منطق «الصفقة» لا «المصلحة»، فها هو قطاع الخلوي سيحقّق مداخيل صافية للدولة بقيمة 1100 مليون دولار في نهاية هذا العام، فيما ستبلغ أرباح الـ«ميديل إيست» 100 مليون دولار

محمد زبيب
لم تبقَ أفعال كثيرة لم يجرّبوها لتشويه التجربة التي خاضها وزير الاتصالات جبران باسيل، المسألة لا تتصل بشخصيته بل بالملفات التي يشرف عليها من موقعه... أعلنوا فشله منذ البداية، منذ تولّيه الحقيبة الوزارية في حزيران من العام الماضي، هوّلوا عليه بتحميله مسؤولية تنامي العجز والدين العام إذا خفض الأسعار وعرقل صفقة بيع رخصتي الهاتف الخلوي، وحمّلوه مسؤولية بعض الجرائم لأنه حاول تطبيق قانون صون سرية التخابر... حذّروه من الخوض في الملفات ـــــ الفضائح، بل اتهموه بالفساد عندما أبعد الشركة (فال ديتي) التي كانت تدير شبكة «ألفا» الرديئة بسبب سوء الإدارة وسوء الأمانة والاحتيال على المشتركين الذين سدّدوا مليون دولار فوق سعر تعرفة التخابر الدولي الرسمية على مدى 8 أشهر... طلبوا منه أن لا يفعل شيئاً لكي «ينفد بريشه»، لا برنامج عمل إلا «الخصخصة»... وضعوا أمامه صورة سلفه مروان حمادة (2005 ـــــ 2008)، وكتبوا له تحتها «أمعن النظر، فكّر فيها... هكذا تكون أو لا تكون».
جرّبوا كل شيء تقريباً، ولكن باسيل بدا مثقلاً بالشعارات السياسية التي يحملها تيّاره السياسي ضد الفساد، أراد أن يثبت عشية الانتخابات النيابية التي جرت في حزيران الماضي، أن المشاركة في السلطة يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً، فكيف إذا جرى تحرير هذه السلطة من القابضين عليها في عهود «الاحتلال» و«الوصاية»، كما في عهود «الاستقلال» و«السيادة»؟، أصرّ على إجراء بعض الإصلاحات في وزارته، ولا سيما في قطاع الخلوي، فسارعوا إلى «القوطبة» عبر التعجيل بخطوات بيع هذا القطاع، هو لم يعترض على المبدأ بل على الآلية، فالعملية، في رأيه، تحتاج إلى قانون يجيزها في المجلس النيابي، وهذا القانون يجب أن يحرص على إبقاء ملكية القطاع في أيدي اللبنانيين ويضمن مصالح المستهلكين والدولة، وبالتالي ليس هناك تعارض بين تنفيذ بعض الإصلاحات بالتزامن مع تهيئة الشروط لإنجاز عملية الخصخصة... أزعجهم هذا الطرح كثيراً، ولكنهم لم يمتلكوا «المنطق» في مواجهته، استحضروا حججاً تافهة عن احتمال تدنّي مداخيل الخزينة العامّة وتأثير خفض الأسعار على سعر الرخصتين في الأسواق وعدم صوابية تكبيل المستثمرين المحتملين بإصلاحات واستثمارات (توسيع الشبكتين وتحسين الخدمات وتنويعها) قد لا تأتي منسجمة مع استراتيجيات هؤلاء وتطلعاتهم.
راجع متوسط الفاتورة من 74 دولاراً في الشهر إلى ما دون الـ50 دولاراً

ارتفع عدد المشتركين من 1.4 مليون مشترك إلى 2.050 مليون مشترك حالياً
أساساً لم يكونوا بحاجة إلى «منطق»، قلّما همّهم ذلك، هكذا هو الواقع منذ عقد مضى، فهم لم يسمحوا باستثمار قرش واحد في الاتصالات، كما في الكهرباء، تعاملوا مع الأولى بمثابة ضريبة والثانية بمثابة عبء، وركّبوا المعادلة الواضحة: الانهيار يبرّر البيع... ويجعل الناس يكفرون بالدولة ويقدّسون المستثمرين باعتبارهم «المخلّصين»، تماماً كالمصارف التي تحوّلت أرباحها الفاحشة بسحر «الإعلام الموجّه» إلى معادل لاستقرار سعر صرف الليرة والنمو والازدهار بل والعدالة الاجتماعية أيضاً.
كان ميزان القوى في مجلس الوزراء إلى جانبهم، وكان باسيل يتلقّى النصائح من الخصم والصديق بأن لا يكابر ولا يستخف بقوّتهم وشبكة مصالحهم الراسخة، حتى انفجرت الأزمة المالية العالمية وضربت العاصفة الأسواق والبورصات ورزحت الشركات تحت خسائر باهظة، ولم يعد هناك من يقف وراء الباب ينتظر اقتناص رخصة هاتف خلوي في لبنان... عندها فقط اضطروا إلى التراجع ولم يعد بوسعهم إلا المراهنة على إفشاله، راقبوه جيداً للنيل منه عند كل هفوة، حوّروا أعماله، افتعلوا له أفعالاً لم يفعلها، بخّسوا حتى المنافع التي حققها للمستهلكين بخفض الأسعار لأول مرّة منذ عام 1994 (وهي لا تزال الأعلى في المنطقة)، واستخدموا نفوذهم في الإدارة لإعاقة كل تقدّم أينما كان... وما إن خسر باسيل انتخابات البترون بحصوله على 41.6 % من أصوات المقترعين حتى نادوا «بعدم جواز إعادة توزير من لفظه الشعب». لا يريدون عودته إلى وزارة الاتصالات، هذه هي المساومة الحاضرة بقوّة، هم مصممون على تحقيق هذا الهدف، تماماً كتصميمهم على إبعاد زياد بارود عن وزارة الداخلية والآن طابوريان عن وزارة الطاقة... هذا ما يحاولون القيام به للتغطية على فضيحتهم، الفضيحة التي أظهرها هؤلاء الوزراء الثلاثة بإثباتهم، إلى حدّ ما، أن بالإمكان أن يكون غير ما كان.
يقول باسيل إنه كان يدرك منذ البداية حساسية اعتراض خيار الخصخصة ومدى توق البعض إلى «نتش» قطاع الخلوي، ولذلك اختار أن يكون مع المبدأ، ولكن بشروط تحدّ من انحراف هذه العملية نحو تحقيق مصالح البعض على حساب مصلحة الدولة والمستهلكين، وأبرز هذه الشروط:
1- أن يصدر قانون خاص من المجلس النيابي يجيز عملية البيع.
2- أن يبقى القطاع لبنانياً بما يحفّز نشوء قطاع اتصالات محلي قادر على التوسّع والنمو.
3- أن تبقى الدولة تحقق موارد عالية منه.
4- أن تُستخدم عائدات الخصخصة في النهوض بقطاعات أخرى كالكهرباء والمياه لا أن تُنفق في خدمة الدين العام لسنة واحدة فقط.
5- أن لا يجري البيع إلا بعد إنشاء شركة «ليبان تيليكوم» ومنحها الرخصة الثالثة لضمان شروط المنافسة والقدرة على التدخل في الأسواق ومنع الاحتكار.
6- أن لا يُنظر إلى القطاع بوصفه ضريبة لا خدمة، وبالتالي وجوب المسارعة إلى خفض الأسعار تدريجياً وعلى مراحل لتصبح مماثلة للأسعار السائدة في الجوار، وتمكين مختلف الشرائح الاجتماعية من الوصول إلى هذه الخدمة بأكلاف وشروط مقبولة... وذلك يقتضي العمل على توسيع الشبكات لتستوعب المشتركين الحاليين والجدد بما يزيد معدّل الاختراق، وتطوير هذه الشبكات وتحديثها وتنويع خدماتها وفقاً لمعايير الجودة المعتمدة عالمياً.
هذه الشروط كانت مرفوضة بالكامل من جانبهم، إذ إنهم أعدّوا دفاتر شروط لإجراء المزايدة لبيع رخصتي الهاتف الخلوي قبل تسلّمه مهمّاته، وهي لا تحقق أي شرط منها، بل على العكس من ذلك، فهم سعوا إلى إنجاز المزايدة مباشرةً بعد تأليف الحكومة ومن دون أيّ نقاش، وكانوا قد استصدروا مراجعة من هيئة القضايا في وزارة العدل تبيح لهم البيع من دون صدور قانون خاص من المجلس النيابي، وحاولوا تعديل أحكام القانون الذي يفرض أن يكون ثلث رأسمال الشركات المغفلة التي يكون موضوعها استثمار مصلحة عامة أسهماً إسمية لمساهمين لبنانيين، وتمسّكوا بتنفيذ قانون جائر سابق يفرض أن تُسخّر كل عائدات الخصخصة في إطفاء أصل الدين أو خدمته، ورفضوا إنشاء «ليبان تيليكوم» ومنحها الرخصة الثالثة قبل البيع بذريعة ضمان أعلى سعر للرخصتين ما ينمّ عن نيّة مبيّتة بعدم إصدار الرخصة الثالثة أبداً، ولا سيما أن الطموح للحصول على عائدات كبيرة من بيع الرخصتين ينطوي أيضاً على نيّة بعدم إجبار الفائزين بإجراء خفوضات قسرية على الأسعار!
ويقول باسيل كذلك إنه تسلّم مهمّاته في وزارة الاتصالات ليجد أن أيّ استثمار جدّي لم يحصل في قطاع الخلوي منذ سنوات طويلة، كانت الشبكتان منهارتين تماماً، إذ جرى تصميمهما لتستوعبا 500 ألف مشترك وعليهما 1.3 مليون مشترك، وكانت الخدمات سيئة جداً، وكانت الوزارة مكبّلة بعقدين لإدارة الشبكتين وتشغيلهما لا يحفّزان على الاستثمار بسبب احتساب أجور مقطوعة للشركتين بمعزل عن وضع القطاع... كان أكثر من ثلثي المقيمين في لبنان عاجزين عن الاستفادة من خدمات الخلوي بسبب بنية الأسعار المرتفعة والمثقلة بمكوّنات ضريبية وشبه ضريبية، وكان خفض الأسعار مستحيلاً في ظل محدودية القدرة الاستيعابية للشبكتين وازدهار السوق السوداء وعمليات الاستغلال والاحتيال... فكان لا بد من وضع خطّة سريعة تقضي في مرحلتها الأولى بالعمل على تحقيق الأهداف الآتية:
1- إعادة النظر في عقدي الإدارة والتشغيل بما يحفّز الشركتين الفائزتين «زين» و «أوراسكوم» على زيادة عدد المشتركين وتنويع الخدمات وفرض بنود جزائية على كل شركة تتخلّف عن تنفيذ المرحلة الأولى من هذه الخطة التي تنتهي في آخر هذا الشهر (500 ألف دولار).
2- تحديث الشبكتين وتوسيعهما لتتّسعا لنحو 2.2 مليون مشترك، ما يتيح رفع نسبة الاختراق وتمكين شرائح اجتماعية جديدة من ولوج الخدمات عبر خفض الأسعار وطرح منتجات جديدة (بطاقات مسبّقة الدفع لآجال أطول).
3- خفض قيمة الاشتراك وسعر دقيقة التخابر والعديد من الخدمات المضافة اعتباراً من شهر آذار الماضي وبنسب يصل متوسطها إلى 22 % في المرحلة الأولى على أن تليها خفوضات إضافية وطرق مختلفة في احتساب قيم الفواتير في المرحلة اللاحقة بعد إنجاز عملية التوسيع والتحديث.
بعد جهد جهيد، نجح باسيل في انتزاع قرار من مجلس الوزراء يدعم هذه الخطّة، فانصرف إلى تطبيقها متحمّلاً وابلاً من الانتقادات والتشكيك بذريعة تراجع مستوى أداء الشبكتين في خلال مرحلة التنفيذ، ولم يكن الإعلام، كما الخصوم السياسيون، مساعداً في هذا المجال، إلا أن النتائج المحقّقة حتى الآن لم تعد قابلة للحجب مهما ارتفع صراخ البعض ضد هذه الإنجازات التي يجب أن تستمر ولا تتوقف تحت أي ضغط:
* جرى توسيع الشبكتين إلى 2.2 مليون مشترك وستبلغ سعتهما بعد شهر 2.8 مليون مشترك، أي أكثر بـ600 ألف من الهدف المطلوب بحسب الخطة، وارتفع عدد المحطّات العاملة من 1050 محطة سابقاً إلى 1350 محطّة وسيرتفع العدد 1550 محطة بعد شهرين، فضلاً عن تكبير 550 محطة كانت قائمة في السابق.
* ارتفع عدد المشتركين من 1.4 مليون مشترك عند بدء تنفيذ الخطّة إلى 2.050 مليون مشترك حالياً.
* ارتفع معدّل الاختراق من 32 % إلى 51 % من عدد المقيمين وسيبلغ 60 % قريباً، وهو لا يزال دون المعدّلات في المنطقة، بحسب باسيل.
* تراجع عدد الاتصالات المقطوعة من 600 ألف اتصال في الأسبوع إلى 300 ألف اتصال، وهذا المعدّل لا يزال مرتفعاً، بحسب باسيل، إلا أنه يدحض الادعاءات بأن أوضاع الشبكتين في تراجع، إذ يقول باسيل بصراحة إن هذه الأوضاع كانت سيئة جداً وأصبحت سيئة.
* تراجع متوسط الفاتورة بعد خفض الأسعار وتحسين الشبكتين من 74 دولاراً في الشهر إلى ما دون الـ50 دولاراً حالياً، وسيصل إلى 40 دولاراً آخر هذا الصيف، ما يعني أن شرائح فقيرة نجحت في ولوج خدمات الخلوي، وهذا كان من أهم الأهداف التي رسمتها الخطّة.
* جرى توفير 275 مليون دولار سنوياً على كاهل المشتركين نتيجة خفض الأسعار، وفي المقابل جرت زيادة قيمة الاستثمار إلى 84 مليون دولار، ومع ذلك ارتفعت مداخيل الخزينة الصافية في النصف الأول من هذا العام بقيمة 5 ملايين دولار، وهذا يدحض أيضاً الادعاءات بأن تطوير الشبكتين وخفض الأسعار سيؤثّران في مداخيل الخزينة.


78 مليون دولار

هي مداخيل شركتي «زين» و «أوراسكوم» في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام مقارنةً بـ76 مليون دولار لشركتي «زين» و «فال ديتي» في الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعني أن الكلفة لم ترتفع كثيراً كما جرى التسويق


المرحلة الثانية من الخطّة