تسلّح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالإجماع اليهودي في إسرائيل على قضايا الصراع الأساسية مع الفلسطينيين لمواجهة ضغوط الرئيس الأميركي باراك أوباما، وحاول السير بمقترحاته بين رذاذ اليمين واليسار في إسرائيل، مفضلاً البلل على الغرق
مهدي السيد
الخطاب الذي ألقاه بنيامين نتنياهو في جامعة بار إيلان، والذي عرض فيه رؤيته لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، كان محلّ اهتمام كبار المحللين والمعلقين في الصحف الإسرائيلية، الذين قرأوا فيه جملة من المسائل، أهمها بروز بعض التحولات في الخطاب السياسي لرئيس الوزراء، من دون أن تكون بالمستوى الكافي لإحداث اختراق نوعي وحقيقي في العملية السياسية. كذلك لمسوا محاولة حثيثة منه للاقتراب إلى حد التطابق مع الإجماع اليهودي على قضايا الصراع بهدف صد الضغوط الداخلية والخارجية على حد سواء.
ورأى المحلل السياسي في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن «نتنياهو حاول السير بين الرذاذ كي لا يُغضب أحداً، وأنه كتب خطاباً جمع في داخله كل ما يُعَدّ إجماعاً في الرأي العام اليهودي في إسرائيل». وأضاف أن «خطاب نتنياهو كان موجهاً إلى أُذني باراك أوباما، وكان بمثابة وسيلة للنجاة من مأزق علاقاته مع الرئيس الأميركي».
وتوقف برنياع عند النقاط التي لم ترد في الخطاب، فلفت إلى أنه «لم تكن هناك كلمة واحدة عن الأهمية الاستراتيجية للجولان وعن الشروط الإسرائيلية المسبقة للمفاوضات مع سوريا».
بدورها، رأت معلقة الشؤون الحزبية في «يديعوت»، سيما كدمون، أن الخطاب كان «خطوة كبيرة لنتنياهو، وخطوة صغيرة للشرق الأوسط». وأوضحت أنه «كان خطوة كبيرة لنتنياهو، لأنه ليس ثمة حاجة لأن يكون المرء خبيراً في لغة الجسد كي يرى كم كان صعباً على نتنياهو، ولو جسدياً، أن يقول الأمور. وأنه لا حاجة لأن يكون المرء عالماً نفسياً كي يفهم أن نتنياهو لم يصل إلى اعتراف داخلي مثل أولمرت وشارون بأن هذا ما ينبغي عمله، بل فرض هذا عليه».
وقالت كدمون إن نتنياهو «قبِل مبدأ الدولتين للشعبين، وهو بذلك أسقط آخر معقل لليمين». وأضافت: «لم يكن هذا خطاباً مخيباً للآمال. صحيح أن الجبل لم يتمخص ليلد جبلاً، إلا أن هذا لم يكن فأراً، رغم أن خطاب نتنياهو لم يولد أملاً جديداً».
وفي تحليله لمضمون المواقف التي أطلقها نتنياهو، رأى المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس»، ألوف بن، أن رئيس الوزراء «قام في خطابه بانعطافة إيديولوجية في مجالين هامين. أولاً، وافق على فكرة الدولة الفلسطينية أساساً لتسوية سلمية، بعدما عارضها بحزم على مدى سنوات طويلة».
وفي هذه المسألة، أشار بن إلى أن نتنياهو «وضع سقفاً عالياً للاعتراف بالاستقلال الفلسطيني عندما طالب الفلسطينيين بأن يعترفوا بإسرائيل دولةً قومية للشعب اليهودي»، الأمر الذي فسّره بن على أنه شرط يطالب من خلاله نتنياهو الفلسطينيين «بالتخلي عن أسس فكرتهم القومية التي تصفهم بأنه شعب سلبه حقه في أرضه التاريخية غزاة يهود استعماريون بإسناد من القوى العظمى الغربية».
الانعطافة الثانية، يضيف بن، تتمثل في كون نتنياهو طلب أن تضمن الولايات المتحدة الترتيبات الأمنية المستقبلية في المناطق الفلسطينية، وأن تشرف عليها، كي لا تتحول الدولة الفلسطينية المرشحة إلى «حماستان». وهكذا يكون نتنياهو قد لمّح إلى «مرابطة جنود أميركيين في المعابر الحدودية وفي أراضي الدولة الفلسطينية لحماية إسرائيل من تهديد وجودي، وهو ما سبق لنتنياهو أن عارضه بحزم في الماضي».
وعليه، يرى بن أن «التسوية الأمنية التي يقترحها نتنياهو كانت التجديد الأساسي الذي عرضه في خطابه». وتطرق إلى الرسالة التي أراد نتنياهو إسماعها «للمستمع الأهم بالنسبة إليه، باراك أوباما»، فأشار إلى أن نتنياهو أعطى إنجازاً لفظيّاً باستجابته للدولة الفلسطينية، لكن رسالته الحقيقية لأوباما كانت «مواقفي تمثّل الإجماع الإسرائيلي، ولا يمكنك أن تضغط عليّ».
من جهته، قال المحلل السياسي في «معاريف»، بن كسبيت، إن خطاب نتنياهو «كان بمثابة خطوة واسعة له، لكنه خطوة صغيرة جداً للسلام». ولفت إلى أنه «لو كان نتنياهو يعتقد بوجود بارقة أمل في أن يكون الفلسطينيون قادرين على أن يستجيبوا لبعض من شروطه، لما كان ليقول ما قاله».
وتطرق كسبيت أيضاً إلى النقاط التي يرى أنها غابت عن خطاب نتنياهو، فيشير إلى غياب التطرق إلى خطة «خريطة الطريق»، التي يعتبرها نتنياهو «شرك موت». ويرى أنه يجدر بها أن تختفي. كذلك أشار كسبيت إلى غياب التطرق الفعلي لمسألة تجميد المستوطنات.
وفي صحيفة «إسرائيل اليوم»، قال المحلل السياسي، دان مرغليت، إنه إذا «كانت واشنطن تبحث عن مخرج لإسرائيل فإنها ستُعبّر عن رضاها من خطاب نتنياهو، وإنه إذا كانت جادة في نياتها لحثّ التسوية السياسية في المنطقة، فقد منحها نتنياهو حبلاً طويلاً».
وأضاف مرغليت أنه «على الرغم من أن خطاب نتنياهو دحرج الكرة إلى الملعب الأميركي، لكنه لم يدحرجها إلى هناك فقط. فالفلسطينيون وقادة الدول العربية ـــــ الشركاء الضروريون في كل تسوية إقليمية ـــــ سيضطرون، إلى الدخول في مواجهة في ما بينهم بشأن المطلبين الإسرائيليين اللذين سيحظيان بالقبول من كل جهة نزيهة في العالم الحر».
وفيما تطرق مرغليت إلى إمكان أن تتمسك السلطة الفلسطينية برفضها لمقترحات نتنياهو، لفت إلى أن الدول العربية المعنية بكبح التمدد الإيراني ستضطر إلى التدخل وإخضاع المعارضين من السلطة الفلسطينية.
وفي التداعيات الداخلية، قال مرغليت إنه «على الرغم من أن اليمين في الليكود غير راضٍ عن استخدام مصطلح دولة فلسطينية، لكنه يدرك أن قيام هذه الدولة بعيد جداً، وأنه ليس ثمة سبب حقيقي لإسقاط الحكومة».