Strong>باسيل يضع «الملفات السود» في عهدة القضاءمليار دولار أميركي هي نتيجة الفساد في قطاع الخلوي منذ عام 1994. هذا ما كشفه وزير الاتصالات جبران باسيل، أمس، في ملفات سوداء محمّلة بحجم كبير من الجرائم المالية التي خطفت من الخزينة العامة لمصلحة عدد من المتنفعين... وترك باسيل الملفات في عهدة القضاء

رشا أبو زكي
كشف وزير الاتصالات جبران باسيل عن «جريمة مالية» تأتي ضمن مسلسل فضائح قطاع الخلوي في لبنان. وحجم الفضيحة مصدره كمية المال المهدور أو المسروق من جيب المواطنين، بحيث وصلت منذ عام 1994 إلى مليار دولار أميركي، وحينها كان مستوى الدين العام لا يتعدى 1،8 مليار دولار! وقال باسيل في مؤتمر صحافي، أمس، «فلنتبصّر في قيمة المليار دولار في عام 1994، وفي الفوائد المترتبة التي دفعتها الدولة اللبنانية حتى الآن، وحجم الدين العام الحالي الذي يقدّر بـ50 مليار دولار، وخصوصاً أن قطاع الاتصالات يدرّ على الخزينة ما يفوق مليار دولار سنوياً»... أما مصير مرتكبي الفضائح، فتركه باسيل في عهدة القضاء اللبناني، وقال: «نحن نُعلم اليوم المدّعي العام التمييزي والنائب العام المالي وديوان المحاسبة والنيابة العامة لدى الديوان بالمخالفات»، واستطرد «أتمنّى أيضاً ألا يرمي القضاء القضية في الأدراج، ويظن أنه لن يأتي يوم يسأل أحد فيه القضاء لماذا لم يتحمّل مسؤولياته. فأنا اليوم لا أقدّم إخباراً، بل أرسل إلى القضاء رسمياً بصفتي وزيراً، لأعلمه بمخالفات مالية، وهي ملفات سوداء تتضمن كل المستندات والوثائق والوقائع والأرقام، والقضية لا تتحمّل الضبّ في الجارور». وأضاف «كلنا ثقة بأن المدعي العام التمييزي عند تسلّمه هذه القضية سيعمل على تحريكها»، محتفظاً «بحق الوزارة بالادعاء المباشر في ضوء التحقيقات التي ستجري». وقد أكد باسيل أن الجرائم المالية المرتكبة كانت تأتي بغطاء من مجلس الوزراء في تلك الفترة، لافتاً «الأخبار» إلى أنه «لا حلفاء في مواضيع الفساد. فمن ارتكب المخالفات يجب أن يحاسب، إن كان خصماً سياسياً أو صديقاً»...

الفساد في فترة التلزيم

وقال باسيل «أنا لا أتناول في الملفات الشركات ولا شخصاً معيناً، وإذا حققت شركتا الخلوي السابقتان ربحاً إضافياً، فالمسؤولية تقع على مجلس الوزراء والوزراء ورؤساء الحكومات وكل من كان يشغل الصفة العامة، وهؤلاء هم من يتحمّلون المسؤولية نتيجة التقاعس». وفنّد باسيل المخالفات خلال فترة التلزيم على الشكل الآتي:
1ـــــ المخالفات عند التلزيم: في 25 شباط 1994 اتخذ مجلس الوزراء القرار الرقم 7 الذي قضى باعتماد شركتي خلوي لكي تتنافسا في سوق لبنانية حرة، وحدّدت نسبة الربح المئوية للدولة بـ20% عن السنوات بين الأولى والخامسة، و30% عن السنوات السادسة والسابعة والثامنة، و40% بين التاسعة والعاشرة و50% من الحادية عشرة إلى الثانية عشرة. إلا أنه بعد انتهاء عملية التلزيم، اتخذ مجلس الوزراء في 26/5/1994، قراراً بأن يجعل حصة الدولة 20% عن السنوات بين الأولى والثامنة و40% بين السنتين التاسعة والعاشرة، وبالتالي حرم مجلس الوزراء بعد انتهاء التلزيم الدولة اللبنانية من 10% من حصتها من السنوات بين الخامسة والثامنة، ووصلت مترتبات هذا الإجراء كخسائر على الخزينة إلى 138 مليون دولار.
2ـــــ التنازل عن إيرادات الدولة: كانت حصة الدولة من كل الإيرادات غير الصافية بين 20% تدرّجاً إلى 50%. عند تنظيم عقدي الـBOT في حزيران 1994، تنازلت الدولة عن قسم من إيراداتها واقتصرت حصتها من الخدمات الخاصة على مدة استخدام الهواء Air Time، أي استُثنيت كل الخدمات الأخرى، كالرسائل القصيرة والكليب والكلير، وكل الخدمات التي توفّر مداخيل غير قليلة.
3ـــــ تحرير الرأسمال: كان واضحاً أن تحرير الرأسمال بكامله يجب أن يحصل قبل بدء سريان العقد، أي قبل تاريخ 31/8/1994. وأي شركة تتقدم إلى مشروع من هذا النوع عليها أن تقدم التزامات وضمانات، منها رأسمال محرر بما يعادل 30 مليون دولار. لاحقاً وُقّع إعلان مشترك بين الوزير المعني وإحدى الشركتين، وطُبّق هذا الإعلان لاحقاً على الشركة الثانية، وقضى بأن يصار إلى تقسيط الرأسمال، وفي هذا الأمر مخالفة كبيرة، وإلا يصبح في إمكان أي شخص أن يتقدم إلى المناقصة. وكان من المفترض أن تبني الشركة من أموالها الشبكات. وفي الملف تفصيل كامل عن تحرير الرأسمال بالنسبة إلى شركتي «إف ت إم إل» وليبانسيل عن الأعوام 1994 و1995 و1997 و1998، علماً بأن إحدى الشركتين لم تحرر كامل رأسمالها حتى تاريخ فسخ العقد، وبقي عليها 9 مليارات و280 مليون ليرة، وهذه فضيحة كبيرة سُكت عنها، وآثارها المالية المباشرة على الخزينة تقدر بـ4.629 ملايين دولار.
مخالفات أثناء التشغيل
عدّد باسيل المخالفات المرتكبة خلال تشغيل شبكتي الخلوي، لافتاً إلى أن الآثار المالية لهذه المخالفات بلغت 40 مليوناً و780 ألف دولار عند شركة ليبانسيل، و45 مليوناً و481 ألف دولار عند شركة «إف ت إم ال» FTML، بمجموع يقارب 96 مليون دولار. وهي كالآتي:
1ـــــ تحرير الرأسمال.
2ـــــ حصة الدولة من الإيرادات الإجمالية.
3ـــــ حصة الدولة من النظام الجوّال Roaming حيث وضعت الشركتان على المشتركين كلفة إضافية، ولم تعط الدولة حصتها، تماماً كما حصل مع الاتصالات الدولية في زمن إدارة شركة «فال ديتي» لـ«ألفا»، حيث كانت هناك زيادة على المواطنين تقارب مليون دولار.
4ـــــ الاشتراكات المدفوعة مسبقاً، علماً بأن هذه الاشتراكات مثّلت في مرحلة من المراحل 60% من مداخيل الشركتين، ولم يحدد المبلغ الذي استوفته الدولة عن هذه الاشتراكات.
5ـــــ رسم الـ10 ليرات من المخابرات بين الشبكة الثابتة والشبكة الخلوية،
6ـــــ الإضافات التي مثّلت في مرحلة من المراحل 5 سنتات.
7ـــــ الرسم البلدي على رسوم التأسيس.
8ـــــ مسْك الحسابات.
9ـــــ تقرير شركة التدقيق KPMG الذي بنتيجته خلص إلى وجود 10 نقاط لم تتمكن الشركة من التدقيق الكامل في حسابات شركتي الخلوي، علماً بأن KPMG على رغم أنها تحدثت في تقريرها عن مخالفات كثيرة، فقد أشارت إلى أن التقرير غير دقيق وغير كامل.
... وصولاً إلى فسخ العقود!
وأكمل باسيل بنود ملفه، فتطرق إلى مخالفات استمرت إلى ما بعد فسخ العقود، وهي:
ـــــ المخالفات بسبب استعمال رسوم التأسيس: يذكر اللبنانيون أنهم دفعوا 500 دولار لقاء اقتناء الخط الواحد. وكان من المفترض أن تنشئ كلّ من الشركتين شبكتها من أموالها الخاصة. لكن الذي حصل أن الشركتين بنتا شبكتيهما بأموال اللبنانيين. كما أن دفع المواطن رسم التأسيس كان يجب أن يدخل ضمن رسوم وتكاليف التجهيز والإنشاء، إلا أن الشركتين احتسبتا مبلغ الـ500 دولار عن كل خط من ضمن رسوم التشغيل، فأعطتا الدولة 20% لكنهما لم تدفعا عليها 10% المحتسبة رسماً بلدياً. في المقابل، عند فسخ العقود، عادت الدولة ودفعت إلى الشركتين تعويضاً عن الفسخ في ما يتعلق برسوم التأسيس والتجهيز والإنشاء، علماً بأن المواطن هو من دفع هذه الرسوم لا الشركتان. وفي هذا الأمر مخالفتان:
1ـــــ فسخ مشبوه: في 14/6/2001، صدر قرار بفسخ العقد مع الشركتين، وكان العقد في صدد الدخول في سنته الثامنة، حيث تنتقل إيرادات الدولة من 20 إلى 40%. وفُسخ العقد من دون أي مناقشة لسلامته أو لارتداداته على الدولة. وهناك مهزلة حصلت في هذا الموضوع. فُسخ العقد وصدر القرار بدفع 68 مليون دولار إلى ليبانسيل و112 مليوناً إلى «اف ت إم إل». وذهبت الشركتان إلى التحكيم الدولي، وجميع من تابع الملف في حينه يدركون العورات التي اعترته، من عدم دفع تذكرة السفر لمحامي الدولة، إلى عدم توفير الإمكانيات لهم، في مقابل مكاتب محاماة دولية. ثم تبيّن لاحقاً، وهذه فضيحة قائمة بذاتها، أن الدولة اعتمدت مكتب محاماة أو أحد المحامين الذي هو في الوقت نفسه عامل في مكتب آخر لشركة هي موكلة عن إحدى شركتي الخلوي. وهذا تضارب فاضح. وأشير إلى أن التحكيم الدولي لا يعفي أحداً، جزائياً، من ارتكابات وجرائم مالية قام بها.
2ـــــ إنهاء المخالصة: إذاً، دفعت الدولة عند فسخ العقود 68 مليون دولار إلى ليبانسيل و112 مليوناً إلى «اف ت إم إل»، ثم أعطى التحكيم 244 مليون دولار لليبانسيل و266 مليون دولار لـ«إف ت إم ال». وعندها، ذهب وزير الاتصالات في حينه ألان طابوريان إلى مفاوضة الشركة الفرنسية، وخفض بالاتفاق معها المبلغ إلى 96 مليون دولار. وبنتيجته حصلت «إف ت إم ال» على 96 مليون دولار زائداً 112 مليوناً، أي ما يساوي 208 ملايين دولار. أما ليبانسيل فطلبت لإجراء المخالصة مع الدولة أن تحصل على المبلغ المساوي لما حصلت عليه «إف ت إم ال»، أي 66 مليوناً زائداً 140 مليون دولار. وفي حينه، قرر مجلس الوزراء، عند عرض المخالصة، أن تتساوى الشركتان في المبالغ، ما جعل «إف ت إم ال» تطالب بالفارق بين الـ140 مليون دولار التي حصلت عليها ليبانسيل والـ96 مليوناً التي حصلت هي عليها، فاستحصلت «إف ت إم ال» بعد مفاوضة الدولة على 30 مليون دولار إضافية. وبذلك، بعد الكرّ والفرّ هذا، دفعت الدولة حوالى 450 مليون دولار لإنهاء المخالصة مع الشركتين.


7 وزراء

توالوا على وزارة الاتصالات منذ عام 1994 حتى 2006، وهم: محمد غزيري، الفضل شلق، رفيق الحريري، عصام نعمان، جان لوي قرداحي، ألان طابوريان، مروان حمادة، وذلك على عهد 5 رؤساء حكومة: رفيق الحريري، سليم الحص، عمر كرامي، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة



هدر يفوق 120 مليون دولار!