«مغامرة الركابي» تثير سجالاً و«الدعوة» و«المجلس» يتسابقان على البعثيين السابقينبغداد ــ زيد الزبيدي
أثارت الدعوة التي وجّهها «التيار الوطني الديموقراطي»، من بغداد، إلى فصائل المقاومة العراقية للعودة إلى البلاد، بهدف «التنسيق لعقد مؤتمر موسع»، من أجل نقل عمل المعارضة العراقية من الخارج إلى الداخل، حملة اتهامات عنيفة.
وقد وصلت حدّة الحملة إلى اعتبار أنّ هذه الفصائل، وتحديداً «التيار الوطني» الذي يقوده الشيوعي السابق في فصائل «الكفاح المسلَّح»، عبد الأمير الركابي، تروّج للمشاركة في العملية السياسية، وما يعنيه هذا المصطلح ضمناً من خضوع للاحتلال.
ويرى عدد من المراقبين العراقيين أنّ رموز «التيار الوطني» فتحوا النار على أنفسهم. فبحسب مقربين من الركابي، ممن رفضوا الدعوة إلى العودة، فإن قراراً «موجباً» بهذا الحجم، لا يمكن أن يتخذه فرد، ولا تيار يكاد يكون مجهولاً على الساحة العراقية. كذلك، فإنّ مثل هذا الطرح (العودة)، يثير الكثير من التساؤلات عن الموقف من الاحتلال والقوى الساندة له والساند لها.
ويذكّر البعض بأنّ تيار الركابي كان له وجود ضعيف في بغداد بعد عام 2003، تمثّل في شخص عبد الجبار الكبيسي، الذي كان في السابق مسؤول «تنظيم العراق لحزب البعث ـــــ جناح سوريا»، والذي أصدر صحيفة «الموقف»، التي لم يجد محررين لها، ما اضطرّه إلى الاستعانة بصحافيين لا يمتون إلى التيار بصلة. ومع ذلك، أغلقت القوات الأميركية هذه الصحيفة، واعتقلت الكبيسي لأكثر من عام، لنشرها مواضيع مناوئة للاحتلال.
وأبرز ما يأخذه المراقبون على «وفد التيار الوطني»، الذي عاد إلى بغداد، أنّه يتحرك ضمن الإطار الحكومي، الذي يروّج بأنّ الهدف من التهيئة لعقد مؤتمر المصالحة، هو إعلان الولاء لحكومة نوري المالكي. وتذكّر هذه الأجواء، بالوفد الذي أرسله «التيار» وقوى أخرى إلى الرئيس الراحل صدام حسين قبيل 2003، لمحاولة إقناعه بإطلاق الحريات. ولا يذكر الكثير من العراقيين اليوم من مفاوضات وفد «التيار»، إلا ما نُقل عن رئيس الوفد، عبد الجبار الكبيسي، عن إعجابه بـ«التطور في العراق، وبشخصية الرئيس صدام حسين ومساعيه للانفتاح الديموقراطي».
وترى أطراف سياسية في العراق أن «مغامرة الركابي» هذه، غير محسوبة، لأنها طُرحت من الجانب الحكومي على الأقل، في إطار «دعم العملية السياسية»، بينما طرح أعضاء الوفد، فكرة «تصحيح العملية السياسية». ويحذّر البعض من أنه إذا ظلّ «التيار الوطني» على تأييده للمقاومة الوطنية من داخل العراق، فلن يحميه أحد من طائلة «قانون الإرهاب»، الذي قد تنفّذه الميليشيات المتنفذة، إن لم تنفذه أجهزة الحكومة.
وقد تكون أبرز المآخذ على طروحات الركابي، أنها أخذت تتناغم ـــــ على ما يبدو ـــــ مع طروحات «الحزب الشيوعي ـــــ خط 9 نيسان»، المروّج للعملية السياسية، وليس «العمل السياسي المقاوم» الرافض للاحتلال ومشاريعه ومخططاته وقوانينه ودستوره.
وتربط مصادر مطلعة بين مبادرة الركابي و«تياره»، وحضور ممثل عن الجناح السوري لحزب البعث ـــــ «قيادة قطر العراق»، محمد الشيخ راضي، إلى عاصمة العباسيين أول من أمس. حتى إنّ البعض يضع هذه التطورات، في خانة محاولات التقارب بين أميركا وسوريا، بحيث تمّ استقبال راضي، بترحاب كبير من قبل رفيقه، البعثي السابق، النائب الحالي لرئيس الجمهورية، عادل عبد المهدي.
وينقل البعض عن الركابي أنّ المالكي يمر بأزمة حكم، عنوانها صراع مع الجهات الطائفية والشوفينية، وهو ما يتطلب التعاون معه في هذه المرحلة. ولهذه الأهداف، بات المالكي يكرّر مطالبة حزب البعث بمراجعة سياساته السابقة، ونقدها ذاتياً، كمقدمة لدخوله في العملية السياسية.
لكن محللين آخرين، وضعوا هذه الخطوة غير المسبوقة، في إطار التنافس بين «المجلس الأعلى الإسلامي» الذي ينتمي إليه عبد المهدي، و«دعوة» المالكي إلى الانفتاح على البعثيين السابقين وحشد القوى السياسية استعداداً لخوض الانتخابات البرلمانية العامة المقرّرة في نهاية العام الجاري.
واقتصر البيان الختامي للقاء عبد المهدي ـــــ راضي، على التأكيد أنّ «الجانبين تباحثا في دعم العملية السياسية وتعزيز الحياة الديموقراطية والتعاون في التصدّي للإرهاب والعنف».
حتى إنّّ وزير الدولة لشؤون الحوار الوطني، أكرم الحكيم، أشاد براضي وبحزبه، بما أنّ «قيادة قطر العراق في حزب البعث العربي الاشتراكي» (المعارضة لصدام حسين وللاحتلال)، «كانت من الأحزاب التي ساهمت في العمل المشترك للقوى المعارضة لنظام صدام حسين جنباً إلى جنب مع القوى المعروفة والمشتركة في العملية السياسية الحالية».
وتلقّت خطوة الركابي نيران قوى عراقية مقاومة عديدة، أبرزها من «الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية» (جامع)، بحيث وصف المتحدث باسمها، عبد الله حافظ، «مؤتمرات المصالحة» التي دعت إليها الحكومة العراقية والأطراف الأخرى، بأنها «خداع إعلامي». ودعا حافظ الحكومة إلى إثبات حسن نواياها قبل أي دعوة لمؤتمر مصالحة، وذلك من خلال الإفراج عن آلاف المعتقلين، والعمل على إعادة العائلات المهجرة، وإنهاء الاحتلال وتصفية الأجهزة الأمنية من الطائفية التي تحكمها، وإعادة عرض الدستور الطائفي للاستفتاء.