أشكنازي يدافع عن جنوده وكوشنير يوافق على إحالة الجرائم إلى محكمة أمميّةيوماً بعد يوم، تظهر إلى العلن الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال حربه على قطاع غزة، حتى إن وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، اضطر إلى الرضوخ لحجم الاتهامات ضد إسرائيل، مؤيّداً إحالتها إلى المحكمة الدوليةها هي «أخلاقية» الجيش الإسرائيلي الذي عمل على الترويج لها منذ نشأة دولة الاحتلال، مروراً بالحروب التي خاضتها، وحتى اليوم، تسقط تباعاً. فبعد اعترافات الجنود بقتل مدنيين فلسطينيين خلال حرب غزة «بدم بارد»، أكدت منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» الإسرائيلية، غير الحكومية، أن الجيش الإسرائيلي «انتهك القواعد الأخلاقية الطبية خلال هجومه على قطاع غزة، من خلال عرقلته إجلاء الجرحى ومهاجمته مسعفين فلسطينيين». وأكدت المنظمة، في تقرير، أن «الجنود الإسرائيليين انتهكوا خلال القتال في غزة وبصورة متكررة، القواعد الأخلاقية للجيش والحقوق الإنسانية الأساسية بشكل يثير تساؤلات عن انتهاك القانون الدولي المتعلق بالجرحى وسلامة الفرق الطبية».
وأشار التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية في كثير من الحالات «لم تسمح بإجلاء مدنيين جرحى علقوا في ميادين القتال عدة أيام، وتركت مدنيين من دون طعام أو مياه لفترات طويلة»، موضحة أن «16 مسعفاً فلسطينياً قتلوا برصاص إسرائيلي و25 آخرين جرحوا أثناء أداء مهمتهم خلال الهجوم الإسرائيلي».
وذكرت المنظمة مثالاً على استنتاجاتها «حين قصفت مروحية إسرائيلية طاقماً طبياً فلسطينياً كان يقدم مساعدة لجريح ينزف في شمال شرق القطاع في 31 كانون الأول الماضي، ما أدى إلى مقتل الطبيب والمسعف والمصاب». ورأت أن «هذه الأعمال تمثّل خرقاً للقواعد الأخلاقية في محاربة الإرهاب التي تبنّاها الجيش الإسرائيلي في عام 2004، والقانون الدولي الذي يحظر الهجمات على المؤسسات الطبية في أوقات الحرب». ودعا رئيس المنظمة، داني فيلك، إلى فتح «تحقيق حيادي» بشأن هذه الانتهاكات.
وبموازاة اتهامات المنظمة للجيش الإسرائيلي، طالب الخبير من الأمم المتحدة والمقرر الخاص حول الوضع في الأراضي الفلسطينية، ريتشارد فاك، «بفتح تحقيق حول الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة»، مشدداً على وجود «أسباب تدفع إلى الاستنتاج بأنه يمثّل جريمة حرب على نطاق واسع».
ودعا فاك، في النص المقرر عرضه على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى إجراء «تحقيق من قبل خبراء» لتحديد ما إذا كان الإسرائيليون قادرين خلال الهجوم على أن يميزوا بين الأهداف العسكرية والسكان المدنيين. وكتب فاك في تقريره «إذا لم يكن ذلك ممكناً، فان الهجوم كان من الأصل غير قانوني ويمثّل جريمة حرب على نطاق واسع». ورأى أن «لجوء» إسرائيل «إلى القوة» لوقف إطلاق الصواريخ من الأراضي الفلسطينية ـــــ وهو الدافع وراء الهجوم ـــــ لم يكن «مبرراً من الناحية القانونية (...) بما أن هناك بدائل دبلوماسية متوافرة».
وأشار فاك إلى أن وقف إطلاق النار الذي التزمه الجانبان من حزيران وحتى تشرين الثاني 2008 كان «الفترة الأكثر أماناً» لإسرائيل لجهة التهديدات التي يمثلها إطلاق الصواريخ من الأراضي الفلسطينية. وتابع فاك «يبدو أن تعليق وقف إطلاق النار كان أساساً نتيجة خروق إسرائيلية»، مضيفاً أن إسرائيل كانت مسؤولة عن 79 في المئة من حالات خرق وقف إطلاق النار في الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2008.
وبالانتقال من المنظمات إلى المواقف الرسمية، فقد كانت لافتةً موافقة وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، على توجّه دول ومنظمات إلى المحكمة الدولية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في قطاع غزة. ورداً على سؤال عن إمكان إصدار مذكرة بحق «المعتدين» الإسرائيليين على قطاع غزة، قال في مؤتمر صحافي عقده في الرياض، في ختام زيارة استمرت يوماً واحداً، إنه «يجوز للدول والمنظمات أن تتوجه للمحكمة الدولية وتقديم ما لديها، وسيكون هناك تحقيق من منظمة الأمم المتحدة عن الجرائم التي ارتكبت في غزة».
أما إسرائيل التي رفضت هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، فكان لها نصيبها من الرد. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، إن «الجيش الإسرائيلي هو أكثر جيش أخلاقي في العالم». وتابع، خلال استقباله مجنّدين جدداً لسلاح الهندسة في قاعدة «ميتاف» في وسط إسرائيل، «أنا لا أصدّق أن جنوداً في الجيش الإسرائيلي قتلوا مدنيين بدم بارد، لكننا سننتظر نتائج التحقيق، والجيش الإسرائيلي هو أكثر جيش أخلاقي في العالم، ويعمل وفقاً لقيم الجيش الإسرائيلي وقيم سامية جداً خلال العمليات القتالية أيضاً».
وأضاف أشكنازي «إني أعرف الجيش الإسرائيلي منذ سنوات طويلة، وكمن رافق الاستعدادات لعملية الرصاص المصهور العسكرية (في قطاع غزة)، وأرشد قادة القوات وكان في ميدان القتال ويعرف جيداً جنود الجيش الإسرائيلي وضباطه، فإني أقول لكم إن هذا جيش أخلاقي ويتمتع بقيم، ولا يوجد شكّ لديّ بأنه إذا كانت هناك حالات استثنائية، فسوف نعالجها وفقاً لما يتطلب الأمر». وأضاف «كرئيس للأركان، أشعر بالاعتزاز بترؤّس جيشٍ هؤلاء مقاتلوه وضباطه».
(يو بي آي، أ ف ب، رويترز)