الدين العام بحسب ما هو شائع، لا يعكس فعلياً كل الدين المترتّب على الدولة اللبنانية، فبعض الخبراء يفرّقون بين الدين الحكومي المعلن ودين الدولة الإجمالي الذي يتضمّن ديون المؤسسات العامّة والمتأخرات وأوجه العجز المخبّأ
محمد وهبة
«ليس واضحاً للرأي العام بعد أن الدين العام الحكومي هو غير الدين العام، فهناك خلط في أدبيات التعاطي معه»، بهذه العبارة يختصر الخبير الاقتصادي الدكتور توفيق كسبار سجالاً لا يزال قائماً منذ أكثر من 20 عاماً في لبنان بشأن الحجم النهائي والحقيقي للدين العام، مميزاً بين ما تصرّح به الحكومة عن دين «مركّز على أساس الدين الحكومي» والدين العام الذي يشمل ديوناً لا تحتسب في الموازنة، منها ديون على مصرف لبنان.
هذا المقاربة الجريئة عن الدين العام، قدّمها كسبار في ورشة عمل عقدت أمس في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، بالتعاون مع المؤسسة الدولية للإدارة والتدريب، بعنوان «أزمة الدين العام في لبنان وتأثيرها على الموازنة العامة»، وعقّب فيها مدير المركز الإقليمي للمساعدة الفنية للشرق الأوسط (METAC) التابع لصندوق النقد الدولي سعادة شامي.

تعدّد الأرقام

وبنتيجة هذه المقاربة والنقاش الذي تلاها، تبيّن أن اختلاف الخبراء بشأن حقيقة حجم الدين العام في لبنان نابع من المنهجية المعتمدة ومكونات احتسابه، فهناك 4 أرقام متداولة في ما يخصّ حجم الدين العام في نهاية 2008:
1- الدين الحكومي الإجمالي، المصرّح عنه رسمياً، يتألّف من سندات الخزينة بالليرة وبالعملات الأجنبية (يوروبوندز) فضلاً عن القروض التي حصلت عليها الحكومة من الدول والمؤسسات المانحة، ويقدّر بحوالى 47.2 مليار دولار.
2- الدين الحكومي الصافي، ويتألف من الدين الحكومي بعد تنزيل ودائع القطاع العام، ويقدّر بحوالى 41.3 مليار دولار.
3- الدين السوقي الصافي، ويتألف من الدين الحكومي الصافي بعد تنزيل قيمة الديون والقروض التي اكتتب بها مصرف لبنان والمؤسسات العامّة، ويقدّر بحوالى 29 مليار دولار.
4- دين الدولة الإجمالي، وهو الرقم الذي لا تصرّح عنه الحكومة، إذ من المفترض أن يكون هو الرقم الحقيقي لأنه يتضمن كل ديون الدولة ومصرف لبنان والمؤسسات العامّة والمتأخرات والعجوزات المخبّأة، وذلك بعد إجراء المقاصّة اللازمة بينها لإزالة التشابكات في حسابات القطاع العام عموماً، ويقدّر هذا الرقم بأكثر من 60 مليار دولار، وهو يعكس الوضع المالي الحقيقي للدولة

مكوّنات الدين العام

ورفض كسبار التحدّث عن هذه الأرقام بالتفصيل، معتبراً أنها من مسؤولية السلطات العامّة، ولا سيما مجلس النواب، إلا أنه أجرى قراءة لمكوّنات الدين العام، فلفت إلى أن الدولة أنفقت بين 1992 و2008 حوالى 102 مليار دولار، منها 32 ملياراً (37%) على الفوائد، 31 ملياراً (30%) على الرواتب والأجور، و21 ملياراً (21%) عل النفقات الاستهلاكية والتحويلات، فيما لم تتعدّ النفقات الاستثمارية 12 مليار دولار (12%)، وبالتالي فإن «الدين لم يكن لإعادة الإعمار والاستثمار».
ويتوزع الدين بحسب كسبار كالآتي: 56 في المئة تموّله المصارف الخاصة في لبنان، 20 في المئة يموّله مصرف لبنان، 7 في المئة تموّلها مؤسسات عامة. أي إن تمويله داخلي بنسبة 83 في المئة. وهذا الأمر كان له تأثيراته على المالية العامة وعلى الاقتصاد الوطني، فأي أزمة في الدين ستنعكس على المصارف، لأن حجم ومصادر تمويله كبّلا الاقتصاد والنمو وقلّصا هامش تدخل الدولة في السياسة المالية فباتت مقيّدة لأن 67 في المئة من نفقاتها تغطي الرواتب والأجور والفوائد، وهذه الأخيرة تتجاوز وحدها 3 مليارات دولار سنوياً.

تقييد وظيفة المصارف

ومن جهة ثانية، باتت وظيفة القطاع المصرفي الأساسية مقيدة بالدين مما حدّ من التسليف للقطاع الخاص الذي يحصل على نسبة 22 في المئة من ميزانيات المصارف.
إذاً، الحلقة متصلة بين الدائن والمدين، فما هي الحلول الممكنة في رأي كسبار، ولا سيما بعدما تبين في ورقة باريس ـ3 أن للدين طابعاً أزلياً لأن نتيجة خصخصة كل المرافق الممكنة والإصلاحات لن تؤدي إلى تقليص الدين عن 140% من الناتج المحلي؟ يؤيّد كسبار الخصخصة من أجل «عزل» أصول الدولة عن الهدر، إلا أن الحل الأساسي يتمثل في شقين:
ــ تحقيق نسب نمو مرتفعة في السنوات العشر المقبلة، وعدم زيادة نفقات الموازنة إلا بالنسب نفسها لزيادة التضخم السنوية، «وهذا كفيل وضع نسبة الدين إلى الناتج المحلي على منحى تنازلي».
ــ مساهمة المصارف عبر رؤية طويلة الأمد في إعادة تمويل الدين بفوائد متدنية، علماً بأن معدل الفائدة التي دفعتها الحكومات اللبنانية على مجمل دينها ما بين 1993 و2008 بلغ 14 في المئة، أي إن نسبة الفائدة الإضافية على سعر الفائدة الأساسية تبلغ 9،5 في المئة.
وخلص إلى أن «أي حل لأزمة الدين في لبنان ليس فقط مالياً، بل يتطلب إجراءات أكثر جذريّة وشموليّة».