هل خيارات اللبنانيين باتت مرهونة بمشيئة المموّلين الأجانب؟بعد 5 أيام من كشف «الأخبار» مضمون «التقرير المخفي في درج السنيورة»، رضخ رئيس الحكومة للضغوط، وأمر بتوزيع تقرير وزير الطاقة والمياه عن أوضاع الكهرباء على الوزراء، ولكن من دون إدراجه على جدول الأعمال في الوقت الحالي... بانتظار رأي الصندوق العربي فيه، وهذا ما يمثّل فضيحة جديدة!
نام تقرير وزير الطاقة والمياه الان طابوريان عن أوضاع الكهرباء أكثر من شهر في درج رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ولم تنفع كل المحاولات، عبر القنوات النظامية، في إدراجه على جدول أعمال مجلس الوزراء ليتسنّى للسلطة التنفيذية مناقشته وإقرار الأفكار الواردة فيه، ولا سيما الأفكار الرامية إلى إنشاء وحدات إنتاج جديدة للطاقة الكهربائية تؤمّن تغذية بالتيار الكهربائي لمدّة 24 ساعة يومياً في جميع المناطق، وفي مهلة أقصاها 24 شهراً... إلا أن قيام «الأخبار» في عددها الصادر يوم السبت الماضي (21/2/2009) بنشر هذا التقرير وكشف الأسباب الكامنة وراء حجبه، أثار ردود فعل كبيرة واستغراباً واسعاً، ما أجبر الرئيس السنيورة أخيراً على الرضوخ لقواعد العمل في المؤسسات الدستورية، فأمر الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي أول من أمس (يوم الأربعاء في 25/2/2009) بتوزيع التقرير على الوزراء، ولكن للاطّلاع عليه من خارج جدول الأعمال المخصص لجلسة أمس الخميس، مع تعهّد بإدراجه على جدول أعمال جلسة مقبلة، لم يتحدّد موعدها، وذلك بانتظار ورود رأي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في مضمون هذا التقرير ... وهذا ما يمكن أن يفجّر فضيحة أخرى، تتصل هذه المرّة بسيادة الدولة وسلطة مجلس الوزراء ونوايا الرئيس السنيورة في مصادرة صلاحيات الوزراء وإخضاع قراراتهم لوصاية جهات خارجية... بذريعة أولويات التمويل، أو ما درج على الترويج له عن «أن الهبة تصرف حسب مشيئة الواهب، لا حسب مشيئة الدولة اللبنانية وحاجات المجتمع اللبناني ومصالحه».

نص الإحالة

وتحت رقم الصادر: 292/م ص ـ بيروت في 25/2/2009، تسلّم الوزراء أول من أمس تقرير الوزير طابوريان على شكل ملحق بجدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت مساء أمس، وقد وقّع بوجي نص الإحالة، الذي جاء فيه حرفياً (مع الاعتذار عن الركاكة التي تعتري معظم النصوص الرسمية):
«بناءً على توجيهات دولة رئيس مجلس الوزراء، نودعكم ربطاً التقرير الذي أعده معالي وزير الطاقة والمياه عن وضع الكهرباء (المرجع: كتاب وزير الطاقة والمياه رقم 1006 تاريخ 26/1/2009)، تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء في جلسة قادمة.
تجدر الإشارة إلى أنه قد جرت خلال الأسابيع القليلة الماضية اتصالات مع عدد من ممثلي الصناديق العربية والدولية للاستفادة من تجربتها في مسائل الكهرباء والمياه وللتشاور معها في ما خصّ استعداداتها لتوفير التمويل، لكون هذه الصناديق هي في الواقع التي يمكن لها أن تؤدّي الدور الأساس وبامتياز في توفير التمويل اللازم لعملية نهوض قطاع الكهرباء في لبنان. وعلى ذلك، فقد جرى عرض الأمر على ممثليها ولا سيما في ما يتعلق بالشق المتعلق بمشروع إنشاء وحدات إنتاج جديدة للطاقة الكهربائية في لبنان.
على هذا الأساس، وبناءً على طلب دولة رئيس مجلس الوزراء فقد حضرت في الأسبوع الماضي إلى لبنان بعثة فنية من الصندوق العربي متخصصة في شؤون الكهرباء والمياه لتقويم المشاريع المعروضة عليه للتمويل. ومن المفيد التنويه بأن الصندوق العربي للتنمية يُعدّ من أكثر مصادر التمويل تخصصاً في قطاع الكهرباء، فضلاً عن كونه من أكثر الصناديق التي منحت قروضاً للبنان في العديد من المجالات الإنمائية. هذا مع العلم أن الصندوق العربي ينسّق مع جميع الصناديق العربية والدولية في ما خصّ تطوير آلية لتقديم عرض متكامل للبنان للتمويل، وذلك في ضوء تقويمه للوضع وللأفكار المطروحة بشأن مشروعات معالجة مشكلة الكهرباء في لبنان.
ولقد شملت الاجتماعات المكثفة مع الاختصاصيين لقاءات مع معالي وزير الطاقة والمياه والمسؤولين في مؤسسة كهرباء لبنان، وقطاع المياه بما في ذلك استعراض المقترحات المختلفة في هذا الصدد، تمهيداً لتحديد موقف هذه الصناديق من المقترحات. وسوف تُعدّ البعثة الفنية للصندوق العربي تقريراً مفصلاً عن نتائج زيارتها، وتبدي رأيها الفني واقتراحاتها بمشاريع الكهرباء المعروضة عليها للتمويل، وستزودنا فيه خلال أيام قليلة، وهو ما سيصار إلى تزويدكم به فور وروده تمهيداً لعقد الاجتماع لبحث الموضوع برمّته في مجلس الوزراء.
للتفضّل بالاطلاع». (انتهى النص الحرفي للإحالة)

وصاية ام ذريعة؟

هناك قناعة راسخة عند الكثيرين من المتابعين لملفات الكهرباء، بان الرئيس فؤاد السنيورة لا يريد ان يناقش مجلس الوزراء تقرير الوزير طابوريان لان فيه افكارا تخرج عن سياق النقاش المفروض منذ سنوات، وهو سياق لا يتبنى الا خيارا واحدا لمعالجة مشكلات الكهرباء تجسّده مشاريع الخصخصة المطروحة... ولذلك فقد اضطر الرئيس السنيورة لتوزيع التقرير على الوزراء بعد الحاح من معظمهم، الا انه اضطر في المقابل الى اختراع ذريعة لتبرير عدم طرحه للنقاش الان، فاقترف خطأ جسيما (ربما عن غير قصد) بكشفه عن «فضيحة» تتمثل باطلاع ممثلي الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي على التقرير وطلبه ابداء رايهم فيه قبل ان يناقشه مجلس الوزراء ويتخذ القرارات التي يراها مناسبة في شانه وشان كل الافكار الاخرى المتصلة بقطاع الكهرباء.
ويوضح احد المتابعين ان ما جاء في نص الاحالة يشير الى وجود مخالفة فاقعة للاصول التي يجب اعتمادها بموجب الدستور والقوانين، اذ ان مجلس الوزراء هو صاحب السيادة على قراراته، وبالتالي هو المسؤول عن رسم السياسات والخيارات وهو المسؤول ايضا عن اقرار المشاريع واليات تمويلها بناء على اقتراح الوزير المختص... بمعنى ان وزير الطاقة والمياه هو من يقترح المشاريع ليقرّها مجلس الوزراء بما يتناسب مع الحاجات والمصالح الوطنية، ومن ثم يتم عرض هذه المشاريع على الجهات التي يمكن ان تساهم في التمويل، طبعا اذا تعذّر تمويلها عبر الخزينة العامّة.
يبدو ان الرئيس السنيورة اراد حجّة لعدم مناقشة تقرير طابوريان، الا انه اوجد حجّة كبيرة لمناقشة ما هو اهم من التقرير- السيادة... فهل خيارات اللبنانيين باتت مرهونة بمشيئة الممولين الاجانب؟
(الأخبار)


1 مليار دولار

هي الكلفة المقدّرة لتجهيز معامل الكهرباء بمولّدات جديدة قادرة على زيادة 1000 ميغاواط على الانتاج، ما يساهم في رفع القدرات الانتاجية المتاحة نظريا من نحو 1650 ميغاواط حاليا الى 2650 ميغاواط بعد 24 شهرا، وهذه القدرات قادرة على سد الحاجات الاستهلاكية على المدى القصير.


استرداد امتياز قاديشا