علي حيدرتناولت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس، قصة المخاض الطويل الذي سبق إعلان وقف إطلاق النار في الحكومة الإسرائيلية المصغّرة الأسبوع الماضي، مشيرة إلى كيفية إدارة تل أبيب للمعركة السياسية بالتزامن مع عدوانها على قطاع غزة.
وأوضحت «هآرتس» أن منطق إسرائيل كان أن العملية العسكرية ستمسّ بقدرات «حماس» العسكرية، وأن وقف إعادة التسلّح سيمنعها من تجديد إطلاق الصواريخ. وأشارت إلى أنه ساد داخل القيادة السياسية في إسرائيل التي أدارت العدوان، خلاف على النتائج المؤملة؛ فوزير الدفاع إيهود باراك سعى إلى «ترتيب» بوساطة مصرية، يكون أكثر استقراراً من «اتفاق التهدئة» السابق مع «حماس».
وعارضت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، اتفاقاً يمنح «حماس» الشرعية، واقترحت إنهاء العملية بـ«الردع» ووقف نار أُحادي، يسمح لإسرائيل بالعودة واستخدام القوة، إذا ما تجدّد إطلاق الصواريخ.
أمّا رئيس الحكومة إيهود أولمرت، فمال إلى موقف وسطي، إذ إنه عارض الاتفاق مع «حماس»، ولو كان غير مباشر، لكنه سعى إلى تفاهم مع المجتمع الدولي. والنتيجة كانت خليطاً من المواقف المتعددة: إسرائيل أنهت العملية بوقف نار أُحادي، لكنها أعلنته بعدما أنجزت تفاهمات منفصلة مع مصر والولايات المتحدة في معالجة عمليات التهريب، فيما دعم أولمرت المسارات بعدد لا يُحصى من المحادثات الهاتفية مع نظرائه في العالم، وخاصة القادة الأوروبيين الذين تحدّث معهم في كل يوم.
الأميركيون تعهدوا إرسال مسودة بشأن اتفاق منع التهريب، والعمل بتوازٍ أمام المصريين. لكن القاهرة أرسلت إشارة الى الأميركيين تفيد بأنه لا يوجد ما تتحدّث عنه، لأن مصر لن توقّع على وثيقة تعترف بموجبها بمسؤوليتها عن عمليات التهريب، ولن تسمح بنشر قوات دولية على أراضيها.
ولفتت الصحيفة إلى أنه منذ الأيام الأولى من القتال، اقترح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، وقف نار إنسانياً لمدة 48 ساعة. باراك تحمّس، وقدّر أن قبول المبادرة سيسمح بـ«نقطة خروج». مال أولمرت إلى دعم باراك، لكن ليفني أقنعته، في نقاش «المطبخ الأمني»، بأن إسرائيل لم تحقّق الردع، وأنها تحتاج إلى تعزيز عمليتها العسكرية بالعملية البرية. وخرجت ليفني في زيارة خاطفة إلى باريس لعرض موقف إسرائيل أمام الرئيس نيكولا ساركوزي. وسمع ساركوزي الـ «لا» وتوجّه بعدها إلى القدس المحتلة في الخامس من كانون الثاني، ومن ثم إلى مصر حيث نتج من لقائه بالرئيس المصري حسني مبارك، المبادرة المصرية ـــــ الفرنسية، التي لم تتحمس لها إسرائيل. ثم انتقلت إلى العملية البرية، وتوجّه وزراء الخارجية العرب إلى نيويورك لدفع قرار وقف النار في مجلس الأمن.
في هذه الأثناء، اقترحت ليفني العودة لدفع الاتفاق مع الأميركيين حتى من دون اتفاق أميركي ـــــ مصري. في 8 كانون الثاني، طلبت ليفني من أولمرت التوجّه إلى واشنطن، لكنه رفض. ومع ذلك، وافق على دفع مسار الاتفاق مع الأميركيين، فيما أديرت النقاشات في مجلس الأمن ببطء. وقبل ساعة من التصويت، اتصل أولمرت بالرئيس الأميركي جورج بوش، ونتج من ذلك امتناع أميركي عن التصويت.
وبلورت ليفني وباراك موقفاً مشتركاً، بالدعوة إلى وقف نار فوري، خشية الغرق في غزة. لكن أولمرت خالفهم وأراد الاستمرار في الضغط العسكري على «حماس». في 11 كانون الثاني، نقلت إسرائيل إلى الولايات المتحدة أسس مذكرة التفاهم، وأرادت إسرائيل التزاماً سياسياً أميركياً بمعالجة عمليات تهريب الأسلحة وضمانة بالتعاون الاستخباري والعملياتي. وفي اليوم التالي، وصلت من واشنطن مسودة جديدة، وقدرت ليفني أنها كافية، ومرة أخرى طلبت من أولمرت التوجّه إلى الولايات المتحدة والتوقيع عليها. ولكن أولمرت فهم أن التوقيع على الوثيقة سيقود فوراً إلى وقف النار، ومرة أخرى رفض.
وفي مرحلة لاحقة، طلب أولمرت توضيحات من المصريين، وصادق على مسار ثلاثي: ليفني تتوجّه إلى واشنطن، حيث وقّعت على الاتفاق مع نظيرتها الأميركية كوندوليزا رايس، فيما توجه رئيس القسم السياسي والأمني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد والمستشار السياسي لأولمرت شالوم تورجمان إلى القاهرة، حيث سمعا من عمر سليمان التزاماً أكثر تفصيلاً في معالجة التهريب، واتفقا معه على بلورة خطة عمل وتأليف لجنة متابعة إسرائيلية مصرية.
في هذا الوقت، كان أولمرت قد جنّد نظراءه: الفرنسي والإيطالي والبريطاني، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، للتوقيع على رسالة مشتركة، تعهدوا فيها المساعدة في مكافحة عمليات التهريب.
شعر أولمرت بالرضى، ورأى أن المسار السياسي استكمل الإنجاز العسكري في غزة، وانطلاقاً من التفاهم الثلاثي مع الولايات المتحدة ومصر والأوروبيين، قرر عقد المجلس الوزاري المصغّر وإعلان انتهاء العملية العسكرية.