يحيى دبوقالتهدئة في قطاع غزة هي الشغل الشاغل للصحافة الإسرائيلية، التي تخوض في تحليلات عن التصعيد في القطاع وأبعاده في المرحلة الحالية، والدعوات إلى إعادة احتلال غزة لوقف صواريخ «القسام» الفلسطينيّة.
وتطرقت «يديعوت أحرونوت»، في افتتاحيتها بقلم ناحوم برنياع، إلى الخيار الداعي إلى احتلال غزة وتسليمه إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، فرأت أنه مستحيل التحقق، لأنه «يجعل جنود الجيش الإسرائيلي مرتزقة في الصراع الداخلي في المجتمع الفلسطيني، والأسوأ من ذلك، أنه يجعل أبو مازن وحكومته جيش لبنان الجنوبي في فلسطين، ويصمهم إلى الأبد بالعمالة». وأشارت إلى أن «أبو مازن ورجاله لن يوافقوا على الدخول في مثل هذه المغامرة، وإذا ما وافقوا، فسيفشلون، لأن الشارع الفلسطيني سيلفظهم من أوساطه إلى الأبد».
وعلقت الصحيفة على «اختراق التهدئة» بين إسرائيل و«حماس»، فقالت إن «هذا الاختراق يطرح الأسئلة عن الجهة التي اخترقته وسبب الاختراق»، غير أنها رأت أنه «يجب إبعاد حماس عن القطاع، لكن السؤال هو عمّا إذا كان ممكناً إيجاد جهة مسؤولة تملأ الفراغ الذي تخلفه وراءها».
هذه الحيرة تعيد النقاش، بحسب برنياع، إلى فكرة المرحلتين أو الثلاث مراحل. في المرحلة الأولى، يسيطر الجيش الإسرائيلي على غزة. في المرحلة التالية، يسلمها إلى قوة عربية. في المرحلة الثالثة تسلمها القوة العربية إلى جنود السلطة الفلسطينية.
ويرى برنياع، أن «هذه الفكرة، التي بدأت قبل ستة أشهر، تبدو اليوم أكثر معقولية، في ظل تمكن جنود السلطة، الذين دربهم الأميركيون في الأردن، من السيطرة على جنين وتصفية أوكار حماس بنجاح في جنوب جبل الخليل». إلا أنه يتابع قائلاً إن «احتمال تطبيق الفكرة ليس كبيراً، ولكن البديل، دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة من أجل البقاء فيها، أقل سحراً». ويختتم بتوصية وزير الدفاع إيهود باراك المستخلصة من عدوان تموز على لبنان، فيقول إن باراك يقول لزملائه: «صبراً، تذكروا 12 تموز 2006. لا تتحمسوا».
في السياق، رأى عاموس جلبوع، في «معاريف»، أن الموضوع الأهم الذي تقف أمامه إسرائيل الآن، هو التهديد الإيراني، ولكن القضية الأكثر إلحاحاً ـــ إلى جانب الأزمة الاقتصادية ـــ هي قطاع غزة و«حماس».
وتطرق جلبوع إلى فترة التهدئة مع «حماس»، فرأى أن الحركة استخدمتها جيداً لتثبيت حكمها وتعميق سيطرتها من خلال السيطرة الكاملة على كل المؤسسات المدنية، ومن خلال جهاز التعليم، وحفر مئات الأنفاق التي أصبحت عنصراً هاماً في الاقتصاد الغزي. وتابع حديثه عن استفادة «حماس» من التهدئة، فقال إنه «في المجال العسكري، استغلت حماس التهدئة جيداً، ولا سيما لإقامة عشرات الكيلومترات من الأنفاق والخنادق للقتال على نمط حزب الله في جنوب لبنان؛ لتخزين أكثر من 10 آلاف صاروخ جاهزة للإطلاق؛ للتزود بمئات الصواريخ المضادة للدبابات؛ لشراء طائرات صغيرة من دون طيار؛ لإعداد عشرات السيارات المفخخة؛ لبلورة نظريات قتالية ضد الجيش الإسرائيلي، وإجراء تدريبات لتطبيق هذه النظريات».
في ظل هذا الواقع، يرى جلبوع أنّ «أمام إسرائيل احتمالين للتصدي لهذا الواقع الجديد الناشئ في غزة. الأول، تحديد أن المصلحة الإسرائيلية لا يمكنها أن تسلم بأي شكل بوجود واقع متطرف كهذا في حدودها الجنوبية، على نحو يشبه عدم قدرة إسرائيل على التسليم بتهديد نووي إيراني. الاستنتاج من هذا التحديد يعني التوجه نحو انتهاج استراتيجية، هدفها إسقاط الحكم الحمساوي وتصفيته بكل الوسائل الممكنة. الاحتمال الثاني هو التسليم بحقيقة وجود كيان كهذا، والتوصل معه إلى هدنة، وإغلاق الحدود معه بالمطلق، ولكن السماح له بحدود بحرية مفتوحة ومعبر حر إلى مصر».
وإذ يرى جلبوع أن «لكل واحد من هذين الاحتمالين إيجابياته وسلبياته»، يشير إلى أن «حكومة إسرائيل ستحسم الاحتمال الذي ستختاره، وهو ما امتنعت عنه حتى الآن». لذلك، يدعو رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى أن «يكف عن نثر الكلمات العديمة المعنى العملي، وأن يعرض للجمهور خياره الاستراتيجي».
بدورها، قالت مراسلة الشؤون الفلسطينية في «هآرتس»، عميره هيس، إنه يجب استبدال الحديث عن الفلسطينيين وطرق مقاومتهم للحصار بالنقاش بشأن الإسرائيليين، وبدلاً من الخوض في كميات المازوت والقمح، يجب الحديث عن منطق الحصار ومنطق أولئك الذين يقفون وراءه.
وبحسب هيس، فإنه «بدلاً من أن يحكم الناس على حماس من خلال قدرتها على إدارة الحكومة والتزام وعودها ـــ كحكومة ـــ والحرص على رفاه السكان، يتيح الحصار لها إسقاط كل مظاهر عدم النضج والضعف المهني على حالة الطوارئ التي تمخض عنها الحصار. كذلك، فإن الحصار الشديد يخلص حماس» أيضاً من مواجهة التناقض القائم بين برنامجها (تحرير فلسطين) وانخراطها في مؤسسات أوسلو (رغم نفيها لذلك)».