الناس يعتادون فعلاً المأساة. ربما أدمنوا الصراع مع العزلة. اعتادوا مشهد حارس مجهول الهوية بين البيوت وكاميرا متطورة تطل على ساحة بيت أنهكته الرطوبة، وسقف أتعبته الخردوات. الحراس لم يأتوا للحفاظ عليهم بقدر ما للحفاظ على مستوطنين جاؤوا من مكان غير معروف ليتخذوا من حي الشيخ جراح «حلماً لتهويد المدينة».الناس في كل مكان يسمعون عن «معاناة المقدسيين العرب» وعن «خطط التهويد». يسمعون عن خطط الاستيطان والغضب العارم المشتعل. لكنّ مَن يزور المكان، يعرف جيداً أنَّ الواقع مأساويٌ أكثر بكثير مما تتناقله العناوين. يكفي التجوال والاستماع إلى الناس. يكفي الوقوف أمام مسنين من الحي يحكون عن كل شيء، من التهويد العام للمدينة، وصولاً إلى «اقتلاع المستوطنين لحوض نعنع ربيته»، كما تقول أم طارق.
إذا كانت عائلة الكرد قد خاضت صراعاً في المحاكم، فهناك قضية أخرى، اسمها «المستأجرون المحميون»، الذين يعيشون على أرض يملكونها، لكنها بفعل الاحتلال صارت ملك الاحتلال، ويدفعون إيجاراً لشغلها. لا يحملون أوامر إخلاء، لكن عند أي «مخالفة»، ستكون أوامر الإخلاء أسهل ما يصدر.
أبو طارق يسكن على بعد أمتار من عائلة أبو كامل الكرد، وهو «مستأجر محميّ». حين تسأله أن يلخص حياته في المكان، يقول «بالكاد نعيش». ويضيف أنه «لم يكن هناك في الماضي مستوطنون، كانت هناك غرفة باعها عربي لجمعية استيطانية، ومن بعدها سكنها المستوطنون».
يسكن أبو طارق مع كل أفراد عائلته وأحفاده وأبنائه في بيت صغير مؤلف من غرفتين. في ساحة بيته برج للمراقبة وكاميرا. ومن وراء الساحة تسكن عائلة مستوطنين: «لا علاقات تذكر، الخلافات موجودة دائماً. في أيام السبت يأتون إلى الساحة، يأكلون ويشربون ولا ينظّفون. هذه ليست حياة. وهذا البستان الذي فيه ألعاب للأطفال، كان ملكنا، هذا لنا، لكنهم انتزعوه منّا، وأولادهم يلعبون هناك وأولادنا ممنوعون».
هذه هي الحياة في الشيخ جراح، أزمة تلو الأزمة، وحاجة للبوح بالمآسي. الزائر يغادر المكان حاملاً الكثير من التفاصيل المنهكة. عائلات المستوطنين تسير كالمعتاد، لمَ لا وكل الحماية لهم؟ الليل سيُلقي بظلاله بعد قليل على مدينة الصراع. والطفلة أسماء، التي لم تتجاوز الثالثة بعد، ممنوعة من اللعب على الأرجوحة. كانت تنظر إلى أطفال المستوطنين وهم فرحون، لكنَّها أدركت الحقيقة في سنّ مبكرة. حين تسألها عن عدم لعبها هناك، تقول: «اليهود يمنعوننا».