لا تزال تفاصيل الاتفاقيّة الأميركية ــ العراقيّة ملتبسة، آخرها أنباء عن نية نوري المالكي إرسال مسوّدتها إلى البرلمان، في وقت يثير فيه «تشدده» قلق واشنطن
واشنطن، بغداد ــ الأخبار
جديد ملفّ الاتفاقية الأميركية ــ العراقية يتلخّص بمعطيين: أولاً، ما نشرته صحيفة «بدر» التابعة لحلفاء المالكي عن «المجلس الإسلامي الأعلى»، وجوهره أنّ الحكومة سترسل مسودة الاتفاقية إلى مجلس النواب، خلال 10 أيّام، لترك قرار قبولها من عدمه إلى النواب، الذين يستعدون «لسن قانون أو تشريع للتصويت عليها».
ثانيهما يناقض الأول، تتداوله تقارير تؤكّد بدورها أنّ المسؤولين الأميركيين باتوا يشعرون بالحذر من المالكي على خلفية سعيه الدائم لتأجيل إقرار الاتفاقية، أملاً في انتخاب باراك أوباما، ولتعزيز علاقاته مع إيران.
وكشفت صحيفة «بدر» أمس عن أنّ المالكي أكّد بعد لقائه مع رئيس البرلمان محمود المشهداني، أنه سيرسل مسوّدة الاتفاقية إلى البرلمان في غضون 10 أيّام، قبل أن توضح أنّ الموضوع رهن بالرد الذي تنتظره الحكومة من الطرف الأميركي على مسودة عراقية نهائية أُرسلَت إلى واشنطن.
وذكّرت الصحيفة بما كان قد أشار إليه وزير الخارجية هوشيار زيباري قبل يومين عندما جزم بأنّ الوفد العراقي المفاوض «أنجز المهمة قانونياً وفنياً وتم التوصل إلى صياغة مسودة واحدة». ورجّحت الصحيفة، نقلاً عن «مصادر برلمانية مطلعة»، قيام الرئيس جورج بوش بزيارة قريبة لبغداد لبحث الاتفاقية الأمنية والتوافق عليها.
من جهته، كشف المشهداني عن وجود 7 بنود خلافية بين بغداد وواشنطن، تتعلق بالحصانة الممنوحة للأميركيين (عسكريين ومدنيين)، ومسألة الولاية القضائية على هؤلاء، بالإضافة إلى وضع سقف زمني لانسحاب الاحتلال وتوافر مبدأ الشفافية في بنود الاتفاق.
لكن النائب عن منظمة «بدر»، هادي العامري، أبدى شكوكاً حيال هذه التقارير وقال: «حسب علمي لا مسودة نهائية حتى هذه اللحظة لعرضها على البرلمان».
نقاط خلاف أكّد النائب عن «جبهة التوافق العراقية» إياد السامرائي أنّ المالكي أثارها مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عندما زارت بغداد في 21 آب الماضي.
ووفقاً لمسودة نشرتها صحيفة «العراق»، فإنّ مسألة الحصانة هي أبرز هذه البنود الخلافيّة. ووفقاً للمسودة، فإنّ الولايات المتحدة «تولي كامل الاعتبار لأي طلب يقدم من العراق للولاية على أفراد القوات الأميركية وعناصرها المدنية عن جرائم تشتمل على أفعال عمدية وخطأ جسيم تخرق القانون العراقي، لتُسوّى بالاتفاق المتبادل عبر لجنة مشتركة من الطرفين».
لكن «الوفد العراقي اقترح أن تكون المسؤولية القضائية للعراق على الأميركيين عند ارتكابهم جرائم تخرق القانون العراقي». ثمّ عاد الوفد الأميركي، فاقترح الصياغة التالية: «كأحكام مؤقتة ولغاية اكتمال انسحاب القوات الأميركية، تكون للولايات المتحدة الصلاحية القانونية على مسلّحيها ومدنيّيها».
إلا أن الوفد العراقي اقترح أن تنص الفقرة على أنّ المعتقلين الأميركيين «سوف يُهَيَّأون لتسليمهم إلى السلطات الأميركية المختصة خلال 24 ساعة».
وفي السياق، كشف النائب البارز في حزب المالكي «الدعوة الإسلامية»، علي الأديب، عن أنّ الصياغة الأخيرة للمسودة تنصّ على أن القوات الأميركية ستنسحب من المدن العراقية في تموز 2009، «إلا إذا طلب العراقيون شيئاً آخر».
وعن الحذر الأميركي إزاء المالكي، يقول مسؤول أميركي إنّ رئيس الحكومة يعتقد أن النجاحات الأمنية التي حققها «تجعله يتخذ موقفاً متشدداً يمكّنه من المساومة بشأن الاتفاقية الأمنية»، بينما نقلت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» عن مسؤول عراقي رفيع المستوى إشارته إلى أنّ رئيس وزرائه «يريد إعطاء الانطباع بأنه ليس دمية بيد الأميركيين، في الوقت الذي تمارس فيه إيران ضغوطاً شديدة عليه لرفض التوقيع إلى أن تتوصل طهران إلى اتفاق مع واشنطن تقرّ فيه بدورها الإقليمي».
وعن الموضوع نفسه، يلفت مسؤول عراقي مقرّب من المالكي إلى أنّ الأخير «يزداد قوة، وربما اعتقد أنه حقق الكثير من الأمن والمصالحة وإعادة تأسيس حكومة الوحدة الوطنية، لذلك فهو يعتقد أن بإمكانه أن يتحمل موضوع الاختلاف مع الأميركيين».
وهنا تطلّ أسماء عراقية مرتبطة عضوياً ببقاء الاحتلال، كالنائب مثال الألوسي، المؤيّد للتطبيع مع إسرائيل، ليتّهم رئيس حكومته بـ«محاولة تقويض مفاوضات الاتفاقية»، مشيراً إلى أن النجاحات الأمنية التي حققها المالكي «جعلته يتجاوز الواقع العراقي».
ويقول الألوسي إن «المالكي هو رجل براغماتي، وهو يعتقد أن أوباما هو الرئيس الأميركي المقبل، ويعتقد أن بوش قد انتهى، ويعتقد كذلك أنه شخصياً الرابح ولا أحد يستطيع أن يوقفه».